- اسم الكاتب: القاهرة ـ
- التصنيف:معاً .. نربي ونعلم
لم يعد مجديا في عصر تدفق المعلومات أن يكون المسئولون عن صياغة المستقبل الإسلامي أطفالا عاديين.. قدرتهم على رد الفعل تفوق قدرتهم على الفعل والمبادرة.. يسيرون بجوار الحائط.. وعلى الرصيف، ويفتقرون إلى مهارات الاكتشاف والتحدي والمغامرة المحسوبة.
في الغرب يعدون أطفالهم إعدادا خاصا ليواصلوا تحقيق الأهداف الاستعمارية، ويكملوا مسلسل قيادة العالم، وفي الكيان الصهيوني يغذون صغارهم بفكرة إسرائيل الكبرى وأيديولوجية العنف وعقيدة العداء الكامن والمعلن للعرب. فماذا عنا نحن؟ وماذا يمكن أن نقدم لأطفالنا لكي يكونوا مستعدين لقيادة المستقبل وتحقيق التمكين لأمتهم؟
أوجز إجابة: أننا يجب أن نجعل أطفالنا قادرين على الجهاد والمواجهة والتحدي.. كيف؟
هذا ما توضحه الأستاذة الدكتورة نادية محمود شريف ـ أستاذة علم النفس التربوي المتفرغة، والعميدة السابقة لكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة ـ في بحثها المعنون بـ (مقومات البناء النفسي للطفل القادر على مواجهة التحدي الحضاري)، والذي قدمته أمام مؤتمر (دور تربية الطفل في الإصلاح الحضاري بالقاهرة مؤخرا).
خصائص الطفل المتحدي
تنطلق د. نادية من حقيقة مؤكدة وهي أن الحاجات الأساسية لطفل اليوم ليست هي الطعام والشراب والمأوى، وإنما أيضا البيئة النظيفة ماديا ومعنويا، والصحية نفسيا وجسميا، والآمنة التي تعطي المثل الأعلى، وتساعد الطفل على تقويم سلوكه. وتحدد خصائص الطفل القادر علي مواجهة التحدي الحضاري والمعرفي في:
ـ حب المعرفة والتعطش إلى الاستطلاع والتساؤل المستمر.
ـ قبل ذلك.. التمسك بالدين والإيمان بالقيم الأخلاقية، وعدم التنكر للهوية مع القدرة علي التوفيق بين التوجه الروحي والتوجه المادي.
ـ التحلي بمهارات التفكير المنطقي وإدارة الأزمات والتعامل الواعي مع المشكلات والمرونة الفكرية دون إهدار الثوابت، وكذلك القدرة على التنافس الشريف.
ـ الثقة بالنفس والمثابرة والمبادأة وحب التعلم الذاتي المستمر.
ـ حب العمل الجماعي وإيثار التعاون على الفردية.
ـ احترام قيمة الوقت والوفاء بالوعد، وحسن تنظيم الأنشطة المختلفة خلال اليوم بشكل متسق متكامل.
ـ إتقان مهارات القراءة والكتابة والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، والقدرة على التحليل والتفسير، واستخلاص النتائج، وإصدار القرارات، وضبط الانفعالات.
وهذه المهارات ـ كما تقول د. نادية ـ ليست وليدة يوم وليلة.. فهي حصيلة تراكم تربوي ومعرفي; لأن كثيرا من التغيرات التي تحدث خلال السنوات الأولى من حياة الطفل تعتبر حساسة ومهمة، ولها تأثيرها على كفاءة وقدرات الطفل في المستقبل.
فالطفل حتى سن الثامنة يكون في مرحلة حساسة جدا للتعلم والنمو، خاصة إذا تمتعت بيئته بحوافز التعليم، وكانت بيئته جاذبة دافعة إلى النشاط العقلي.
أما أسلوبا التلقين والتعليم من طرف واحد السائدان في المدارس العربية فهما يذهبان بمهارات الطفل أدراج الرياح.
دليل على الإنسانية
ولهذا فمن المهم تنمية قدرة الطفل على ممارسة أشكال التفكير المختلفة باعتبارها توظيفا للعقل ـ الملكة التي خص الله بها الإنسان ـ فالتفكير إذن دليل علي الإنسانية، وهو يتقاطع مع مهارة اللغة؛ إذ ينشآن كمهارتين مختلفتين، ومع تنوع فرص الاستثارة الفكرية وثراء البيئة المحيطة بالطفل بعوامل الحث على التأمل والتحليل تتقابل المهارتان، وينتقل الطفل من التعبير الحركي عن أفكاره إلى التعبير الرمزي باللغة.. وعاء الفكر.
وترصد د. نادية شريف المهارات الوجدانية والشعورية التي يجب أن يتحلي بها الطفل القادر علي التحدي وهي:
ـ القدرة على التمييز بين الانفعالات (فرح ـ حزن ـ دهشة ـ تساؤل...).
ـ التحكم في ردود الفعل التلقائية.
ـ التعامل مع ضغوط الحياة بصلابة ومرونة في الوقت نفسه.
ـ تفهم انفعالات الآخرين ووجهات نظرهم.
ـ التمييز بين معايير السلوك المقبول والمرفوض.
ـ النظر إلى الذات بإيجابية وثقة.
ـ وتقول: إن هذه المهارات غائبة أو ـ على الأقل ـ نادرة عند طفل اليوم الذي يغلب على سلوكه الاستسلام واليأس، وعدم التفاؤل أو وضوح الرؤية أو تحديد الهدف مع تواضع الطموح العلمي والمهني والأخلاقي، وتصاعد المطامع المادية.
المعلم الذي نريده
هذه الخصائص والمهارات لا يمكن أن تتأتى للطفل ـ كما تؤكد د. نادية ـ في ظل غياب دور الأسرة والمدرسة في إنتاج الشخصية القادرة على التحدي.
من هنا لابد من إعادة صياغة دور المعلم باعتباره الوسيط الرئيس في المنظومة التعليمية، وليس مجرد ناقل للمعرفة.
ولذلك فعليه أن يخلق لدى تلاميذه الإحساس بالانتماء إلى المدرسة وحجرة الدراسة، وأن يتحلى بالصبر والحب، ويوفر فرص التعلم الجماعي والتعاوني لتلاميذه دون التعتيم على المسئولية الفردية عن الذات.
وحتى تتضافر الأسرة والمدرسة في صياغة الطفل المتحدي لابد أن يتكاملا في فهم وتوصيل قيمة التعلم الوظيفي للطفل أي التعلم لهدف، وليس لمجرد اكتساب المعلومة، وللتعلم الخلاق الهادف عدة أشكال يجمعها كلها البعد عن التلقين السلبي والتعامل مع الطفل كأساس للعملية التعليمية، وجعل حجرة الدراسة ساحة للحوار الثري بين المعلم وتلاميذه.
من هذه الأشكال:
التعليم الاستكشافي الذي يعين الطفل على معرفة البيئة المحيطة به، والتعليم الابتكاري، الذي ينمي مهارات الإبداع والتحليل والنقد والتعليم التوقعي القائم على تسليح الفرد بالقدرة علي مواجهة المفاجآت، والاستعداد للاحتمالات المتوقعة، ثم التعليم التعاوني من خلال الفريق متعدد المواهب.. متكامل الخبرات بدلا من التعلم الفردي أو التنافس غير الشريف.
ولما كانت الأسرة والمدرسة شريكتين في عملية التربية فإن وجود صلة وثيقة مباشرة بين الطرفين تساعد كليهما علي القيام بدوره المنشود في إعادة تقييم المؤسسات العاملة في مجال الطفولة وأدوارها المختلفة، وعدم القبول لكل ما يبث من خلال وسائل الإعلام، خاصة ما يدس فيه السم الفكري والأخلاقي في عسل الإبهار الفني والتكنولوجي.
إن البيت المسلم لا يمكن أن يصح بناؤه بالانعزال عن الطفرات التكنولوجية أو المعرفية، ولا بالانبهار المبالغ فيه بها، وإنما بالوقوف في منطقة وسط بين العزلة والانبهار، منطقة الفهم والقدرة على توظيف هذه الطفرات لصالح تربية الطفل وبناء المجتمع المنشود