حكم إتيان الكهان

1 2204

كانت الكهانة منتشرة عند العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان للكهان منزلة ومكانة عند الناس ، لما يعتقدونه فيهم من علم الغيب والإخبار به ، فكان الناس يقصدونهم لحل مشاكلهم ، ويرفعون إليهم قضاياهم ، ليحكموا فيها ، ويقولوا فيها رأيهم .

فلما جاء الإسلام وقف من هذه القضية موقفا حاسما ، فبين حال الكهان ، ومصدر كهانتهم ، وما يترتب على دجلهم وشعوذتهم من المفاسد والمضار ، على العقيدة والتصور ، وكيفية معالجة القضايا والمشكلات .

واتخذ الإسلام عدة سبل لحسم مادة الكهانة ، فمن تلك السبل بيانه لحقيقة الكهان وأنهم كذابون دجالون ، وأن القدر اليسير من الحق الذي يعلمونه عن طريق شياطينهم الذين يسترقون السمع ، يخلطونه بأضعاف مضاعفة من الباطل والزور والكذب والبهتان ، مما يذهب فائدته لعدم قدرة مستمعه على تمييز الحق فيه من الباطل ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليسوا بشيء ، قالوا يا رسول الله : فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة ) رواه البخاري ومسلم .

هذا هو مصدر كهانتهم وسر تصديق الناس لهم ، ومع هذا فقد ضيق الله عليهم أمر هذه المعرفة ، فشددت الحراسة على السماء بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن بمقدورهم بعد البعثة أن يعلموا خبر السماء إلا بعد جهد جهيد ، ونكد شديد ، ذلك أن الله قد أرصد السماء بشهب يقذف بها مسترقي السمع من الجن ، ومع ذلك يتفانى الشياطين في استراق السمع ، مبالغة منهم في إضلال بني آدم والتسلط عليهم ، قال تعالى :{ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب }( الصافات : 6 - 10 ) ، وقال تعالى أيضا : { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } ( الجـن:9 ).

هذا هو حال الكهان كذب ودجل وتزوير وخلط للحق بالباطل ، وما ذلك إلا بغية إفساد الخلق وإضلالهم ، ولذلك فلا غرو أن يأتي التشديد من الشرع في حق من يذهب إليهم ومن يصدقهم في دعواهم علم الغيب ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) رواه أحمدوحسنه الألباني ، والحكم بالكفر هنا هو في حق من صدقهم في دعواهم علم الغيب ، أما من سألهم سؤالا مجردا وهو يعتقد أنهم لا يعلمون الغيب فلا يحكم بكفره ، بل هو متوعد بعدم قبول صلاته أربعين يوما ، وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم :( من أتى عرافا فصدقه فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما ) رواهمسلم . ومعنى لا تقبل أي لا يؤجر ولا يثاب عليها ، وإن كانت يسقط عنه الفرض بفعلها .

هذا فيما يتعلق بالكهنة أنفسهم، أما فيما يتعلق بالمسلمين فيجب على كل مسلم مقاطعة هؤلاء وعدم الذهاب إليهم ، ومحاولة معالجة ما ينتابه من مصائب الدنيا وهمومها على الوجه الذي أمره الله به ، واستشارة أهل الخير والصلاح في ذلك ،أما العرافون فهم أهل ظن وكذب ، ومن زعم أنه بإتيانه الكهان يستطيع أن يعلم شيئا من الغيب الذي ينفعه في مستقبله فهو واهم في ذلك .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة