وفاة الشيخ محمد صفوت نور الدين

0 750

" إن العين لتدمع، وإن القلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب تعالى وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " . قالها رسولنا صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري عندما أتي بابنه إبراهيم أثناء احتضاره " كالشن يتقعقع " فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لقد كتب الله تعالى على عباده الموت، فهو خلقهم ليبلوهم ثم يجازيهم في الآخرة بعد بعثهم من قبورهم، وما خلقهم سبحانه للبقاء في هذه الدنيا (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)[الأنبياء:34، 35] . فقد صدمني وصدم غيري نبأ وفاة صاحب الفضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين " الرئيس العام لجماعة أنصار السنة بمصر" .

وقد كان الرجل بين ظهرانينا هنا بالدوحة منذ حوالي سبعة أشهر، ولكنه الموت (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)[الأعراف:34] .

فقد وافته المنية بمكة المكرمة (شرفها الله) ففقدنا بموته معلما مرشدا صبورا دؤوبا بشوشا ضحوكا حسن الخلق .. أحسبه كذلك والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا.

عرفت الشيخ أول مرة بمسجد (الحاج غريب) بمدينة الزقازيق وليس هو من مساجد أنصار السنة - إذ أن الدعوة كانت هم الشيخ وما كان يعبأ بالانتماءات، بل يكره التعصب، فهو صاحب رسالة يريد بها البلاغ عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في أي مكان وعندما تحين الفرصة، فلفتني فيه الهدوء والسكينة ووضوح القضية التي يدعو إليها مع سوق الأدلة والشواهد العلمية من أحوال السلف الصالح .

وكان (رحمه الله) عادة ما ينتظره بعض الشباب بعد المحاضرة للاستفسار عن شيء في المحاضرة وعن كثير من الأمور خارجها، فكان يعطي وجهه وذهنه وتركيزه لمحدثه كأنما انقطع كاملا عن كل شيء إلا عن محدثه، وصارت أخوة في الله بيننا، بعد ذلك تزاورنا خلالها واستنرنا برأيه في كثير من الأمور فعرفته أكثر وأكثر .

وعرفته بعيدا عن التعصب في الفقه لرأي واحد، ما دام غيره من الآراء واردا في كتب الفقه المعتمدة وعليه من الأدلة والشواهد ما يقويه؛ مع ميل للتيسير (لا التسيب) ما دام الرأي الفقهي معروفا عند بعض أئمة السلف مع وجود ما يقويه من الأدلة .

وعرفته مجلا لمن سبقه من العلماء خاصة منهم من كان على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم .
وعرفته متبنيا للاجتهاد في الأمور التي تجد من أحوال الأمة فيما لم يعرف من قبل .

وعرفته كثير الحركة والتنقل بين مدن ومحافظات مصر - إذ كان ربما انتقل بين ثلاث أو خمس مدن في يوم واحد، إما دعوة إلى الله وإما إصلاحا بين الناس أو مشاركة في خير، ولم تكن للرجل - حسب علمي - سيارة خاصة، فقد كان ينتقل بالمواصلات العامة (وما أدراك ماهية) .

وعرفته واسع الصدر، عميق الخبرة، عظيم الصبر، بالغ الحلم، خصوصا في حل المشاكل الزوجية التي يستشيره فيها أصحابها . وكم أجرى الله على يديه من خير (رحمه الله) .

وعرفته لطيف المنطق، عف اللسان، متواضعا للصغير، موقرا للكبير .

وعرفته قريبا من الشباب ومن مشاكلهم، متفاعلا معهم في كل أمورهم في وقت اتخذ غيره لنفسه برحا عاجيا لسان حاله يقول: (من أرادني فليصعد إلي) فلم يستفد أحد منهم شيئا، وماتوا وهم في عزلة تامة عن الشباب وعن مشاكله .

عرفته داعية من دعاة التوحيد، غير مستعد للمساومة على أية جزئية منه، معلما للناس عقيدة سلف الأمة الصالح .

وعرفته مهتما بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير أعلام الصحابة والتابعين بطريقة عملية منهجية يأخذ منها السامع القدوة والمثل .

إن مصابنا بفقد الرجل عظيم، نسأل الله تعالى أن يعوضنا بفقده خيرا، وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته، وأن يرزق أهله جميعا الصبر والاحتساب، وأن يعظم لهم الأجر.. إنه ولي ذلك والقادر عليه .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة