- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:من الحديبية إلى تبوك
أبرم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش في أواخر سنة ست للهجرة، على مشهد من الصحابة رضي الله عنهم واستغراب من بعضهم؛ لما تضمنته بنود ذلك الصلح من فقرات بدت للوهلة الأولى أنها ليست في صالح المسلمين.
وكان مما جرى في أثناء هذا الصلح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ فأجابه: ( بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به) .
وبالفعل فقد صدق الله رسوله بما وعد به صحابته، وكتب الله له ولصحابته دخول البيت والطواف به، وأنزل الله بذلك قرآنا يتلى فقال تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا} (الفتح:27).
وتذكر كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة من السنة السابعة قاصدا مكة، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن دخولها، فاعتمر عمرة القضاء، وتحدثت قريش فيما بينها أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عسرة وجهد وشدة، فصف له المشركون عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه ثم قال: ( رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ) . ثم استلم الركن وخرج يهرول هو وأصحابه.
ولما مضى على دخوله صلى الله عليه وسلم مكة ثلاثة أيام - وهي المدة التي تم الاتفاق عليها مع قريش - أتوا عليا رضي الله عنه فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا إلى المدينة.
لقد كانت عمرة القضاء تصديقا إلهيا لما وعد الله به نبيه عليه الصلاة والسلام من دخول مكة والطواف بالبيت الحرام، وكانت كذلك تصديقا لما وعد به النبي صلى الله صحابته الكرام. وكانت العمرة تمهيدا لفتح مكة فيما بعد. وبيان ذلك: أن مشاهدة قريش للعدد الوفير من الأنصار والمهاجرين وهم محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم في طوافهم وسعيهم وباقي مناسكهم، وما كانوا عليه من حماس ونشاط، لم يكن يتوقعه المشركون، أقول: كان لذلك أبلغ الأثر في نفوسهم، فقد داخلتها الرهبة والهيبة للمسلمين، إذ فوجئوا بأمر لم يكونوا يألفوه، بل لم يكونوا يتوقعوه، يرشد لهذا المعنى ما رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المشركين لما رأوا رمل المسلمين (والرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطا) حول الكعبة قال بعضهم لبعض: "هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟! هؤلاء أجلد من كذا وكذا". فلا جرم أن كان لعمرة القضاء - بالشكل الذي تمت به - أثر بالغ في نفوس المشركين، مهد لفتح مكة فيما بعد .
ومن الدلالات التي نخرج بها من هذا الحدث أهمية إعداد المسلمين في كل عصر ومصر للقوة اللازمة، القوة المعنوية والقوة المادية على حد سواء، وإبرازها في الوقت المناسب ليكون للمسلمين هيبة ورهبة في قلوب أعدائهم المتربصين بهم.