- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:من بدر إلى الحديبية
بعد الانتصار الذي حققه المسلمون في غزوة بدر ، شاء الله أن يمتحن عباده المؤمنين، ليميز الصادقين من المنافقين ، فكانت غزوة أحد التي حصل فيها ما حصل للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الصحابة ، وأنزل الله على إثرها آيات تتلى إلى يوم الدين ، فنزلت ثمان وخمسون آية من سورة آل عمران ، تتحدث عن هذه الغزوة ، ابتدأت بذكر أول مرحلة من مراحل الإعداد للمعركة في قوله تعالى : {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } ( آل عمران 121) ، وانتهت بالتعليق الجامع على نتائج المعركة ، والحكم التي أرادها الله منها فقال سبحانه : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب } ( آل عمران 179) .
لقد وصفت هذه الآيات المعركة وصفا دقيقا ، وسلطت الضوء على خفايا النفوس ، ودخائل القلوب ، وكان فيها تربية للأمة في كل زمان ومكان ، ودروسا تتوارثها الأجيال تلو الأجيال ، وهذه لمحة خاطفة عن بعض الفوائد والحكم الربانية المستفادة من هذه الغزوة العظيمة .
ففي غزوة أحد ظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة ، فبسبب معصية واحدة خالف فيها الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وبسب التنازع والاختلاف حول الغنائم ، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه ، ولاحت بوادره ، فقال سبحانه : { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم } ( آل عمران 152 )، فكيف ترجو أمة عصت ربها ، وخالفت أمر نبيها ، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه ؟.
وهذه الغزوة تعلمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة ، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده ، قال ابن مسعود : " ما كنت أرى أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } " ، وفي ذلك درس عظيم يبين أن حب الدنيا والتعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح ، وربما خفى عليهم ذلك ، فآثروها على ما عند الله ، مما يوجب على المرء أن يتفقد نفسه وأن يفتش في خباياها ، وأن يزيل كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين الاستجابة لأوامر الله ونواهيه.
ومن الحكم إكرام الله بعض عباده بنيل الشهادة ، التي هي من أعلى المراتب والدرجات ، فأراد عز وجل أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في سبيله ، ويؤثرون محبته ورضاه على نفوسهم ، قال سبحانه : { ويتخذ منكم شهداء } ( آل عمران : 140 ) .
وفي غزوة أحد تأكيد لسنة الله في الصراع بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالا بينهم وبين أعدائهم ، فيدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية ، ولئن انتفش الباطل يوما وكان له صولات وجولات ، إلا أن العاقبة للمتقين ، والغلبة للمؤمنين ، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة ، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا .
والجنة عزيزة غالية لا تنال إلا على جسر من المشاق والمتاعب ، والنصر الرخيص السهل لا يدوم ، ولا يدرك الناس قيمته ، ولذلك قال الله : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ( آل عمران 142) .
ولا بد أيضا من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه ، فقد ظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين ، ولبس لأمة الحرب ، وكافح معه الصحابة ، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال ، رغم أن الله عصمه من القتل .
ومن فوائد غزوة أحد تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين ، ومحق الكافرين باستحقاهم غضب الله وعقابه ، وقد جمع الله ذلك كله في قوله : {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } ( آل عمران 139 - 140 ) إلى غير ذلك من الحكم والفوائد الكثيرة التي لا يتسع المقام لذكرها .
فهذه الغزوة العظيمة تعد نموذجا حيا لما يمر به المسلمون اليوم من محن وشدائد ، فما أحرانا أن نقف عندها ، ونستفيد من دروسها وعبرها ، وما أحوج الأمة وهي تمر بهذه المرحلة الحرجة في تاريخها ، أن تراجع نفسها ، وتستعيد ذاكرتها ، وتعي سيرة نبيها صلى الله عليه وسلم.