على هامش مؤتمرات المرأة المصرية

0 875

عقد في قلب القاهرة - مدينة الألف مئذنة - قبل عامين مؤتمر "تحرير المرأة في مائة عام"، وأشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة الذي لا أعلم إن كان هو، أو الأصابع غير الخفية التي تدير خيوطه، قد حشد فيه من الأسماء النسائية والرجالية العلمانية ما يكفي لوصم هذا المؤتمر بالمؤامرة، رغم الكلمة الطيبة التي افتتحت بها السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس المصري، وشددت فيها على أن مصر لا تسمح بأي تجاوز لضوابط الإسلام في قضية المرأة، وبمجرد أن غادرت حرم الرئيس المنصة وقاعة المؤتمر، بدأت جلساته التي ضربت العقيدة في الصميم.

مقولات فاجرة
وترددت فيها مقولات حرية الجسد، وتحدي المجتمع الذكوري، والتجربة الجنسية للمرأة، وضرورة امتلاكها شجاعة إعلانها و... و... و...
وانفجر الغضب في الصدور، وبدأت المعالجات الصحفية النسائية تصب اللعنات على المؤتمر، ومموليه، والمشاركين فيه، وأعلن الأزهر أنه يعد لمؤتمر للرد على ما أثاره "تحرير المرأة في مائة عام" وبعد أكثر من ستة أشهر انعقد المؤتمر المذكور، ولكنه لم يقدم الرد الكافي لطول الفترة أولا بين المؤتمرين، ولأن الأخير اتسم بعدم التخطيط، وغيبة وضوح الهدف إذ احتشد بالأوراق التي تؤكد تفرد مكانة المرأة في الإسلام، وتحدث كثيرا عن هذا الأمر من الجانب النظري، وتجاهل تماما واقع المرأة المسلمة ، والذي يمثل ابتعاده بقدر أو بآخر عن النظرية الإسلامية وقودا جاهزا للمؤسسات العلمانية تشكله كل حين، وتحاول من خلاله إثبات زعمها بأن تحقيق المرأة لمكانتها مرهون بتحدي العقيدة ، والخروج من قيودها.

وكان أسرع وللأسف أسوأ رد فعل لهذا المؤتمر، ما نظمته أمانة المرأة بحزب إسلامي مصري ولا أقول "مؤتمرا" ضم شخصيات نسائية ودعوية معروفة تحدثت بشكل مكرر ولا جديد فيه، وكان واضحا تماما أن كثيرين ممن شاركوا بإلقاء الكلمة لم يعرفوا شيئا عن مؤتمر المجلس الأعلى للثقافة، ولم يعدوا كلماتهم بشكل ذكي بعيدا عن خندق رد الفعل الذي اتضح تماما إن هذا الاحتفال الذي لا نشكك في إخلاص منظميه لم يستطع الخروج منه.
ومؤخرا شهدت القاهرة أيضا وبرعاية المجلس الأعلى للثقافة الذي يرأسه د. جابر عصفور القطب العلماني المعروف - مؤتمر المرأة والإبداع ، الذي استتر وراء عنوانه حمال الأوجه ليثير زوابع من المبالغة أن تصفها بالفكرية، فتتناول المشاركات فيه موضوع الجسد في أدب المرأة ، ويهاجمن بشكل سافر آيات المواريث في القرآن الكريم ، وينفثن سموم حقدهن على الإسلام، ويجهرن بكل وقاحة بأنهن لم يعرفن الذيوع إلا عندما تحدين قيود الشريعة، ولم يخل المؤتمر من أسماء جالية علمانية أعلن أصحابها بتبجح لايحسدون عليه ضرورة التصدي لآيات القرآن التي يزعمون أنها تتعارض مع المساواة بين الجنسين "المواريث والشهادة وتعدد الزوجات".

عش العنكبوت

ومر المؤتمر، وسيمر غيره ، والصمت المريب يعشش كعنكبوت خبيث في مؤسساتنا الثقافية ذات الطابع الإسلامي، فهل سنظل ننتظر حتى تتحول أفكار هؤلاء إلى نظريات، ثم إلى ممارسات، وقوانين، وتشريعات تجد لها الدعم الحكومي، والرواج الإعلامي، والقبول الشعبي؟
بوادر هذا بدأت بالفعل، وها هي بعض صحفنا تنتقد المفهوم الجسدي لشرف المرأة ، وبعض فضائياتنا تناقش قضايا الشذوذ والعادة السرية بشكل مثير بعيدا عن المنهج الفقهي أو العلمي ، وبعض المراكز النسائية تخصص ورش عمل ومنتديات للفتيات لتربيتهن على مفاهيم الاستقلال المادي والجسدي والتشبث بحق العصمة وغير ذلك.

الفجوة بين الإسلام والواقع

وفي المقابل فإن أوضاع كثير من بيوتنا تجسد الفجوة العميقة بين الإسلام والواقع، بين ما يريده ديننا من الزواج من إعمار للأرض، وتسكين للشهوة والغريزة، وتحقيق لفقه الاستخلاف، وما يريده بعض المسلمين والمسلمات مما ينأى كلية عن مقاصد الشرع الحنيف، هذه الفجوة تهيئ أخصب بيئة لتقبل واستيعاب، وتطبيق هذه الأفكار الشاذة ليصبح أمامنا تحديان، تحدي الخروج من فخ رد الفعل، وإجادة فن المبادرة بتقديم الصورة الصحيحة للإسلام، فيما يتعلق بالمرأة والأسرة بشكل خاص، وتحدي تغيير المفاهيم، والقناعات الشخصية ليقترب واقعنا بقدر الممكن من إسلامنا.
وما لم نتهيأ منذ اللحظة للتحديين، فإن النتيجة عسيرة التصور، وعلينا ألا نلوم إن حدثت إلا أنفسنا.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة