- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مكانة السنة النبوية
مقام التحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقام عظيم له حرمته وهيبته ، وذلك لما فيه من الخلافة والنيابة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ حديثه ، ولذلك ذكر أهل العلم آدابا خاصة بالمحدث وطالب الحديث ، وصنفوا في ذلك المصنفات ، ومن أجمع من ألف في ذلك على جهة الاستقلال الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الماتع " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " ، وتطرق لها المصنفون بعده في مباحث علوم الحديث .
فمن تلك الآداب التي ينبغي للمحدث أن يراعيها الاعتناء بتصحيح النية وإخلاصها ، وتطهير القلب من أغراض الدنيا كحب الشهرة والرئاسة والمناصب ، بل يجب أن يكون أكبر همه نشر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والتبليغ عنه مبتغيا الأجر والثواب من الله عز وجل ، وقد كان كثير من المحدثين يمتنعون عن التحديث في بعض الأوقات لعدم استحضار النية والإخلاص ، يقول سفيان الثوري رحمه الله قلت لحبيب بن أبي ثابت : حدثنا ، قال : حتى تجيء النية ، وكان حماد بن زيد رحمه الله يقول : " أستغفر الله إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء " .
ومن الآداب أن لا يجلس للتحديث إلا إذا تأهل ، واحتيج إلى علمه وما عنده ، سواء أكان في سن مبكرة أم متأخرة ، وضابط ذلك ما قاله الإمام ابن الصلاح : " أنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان " .
ومن الآداب كذلك أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه إما لكبر سن أو تقدم في العلم وهو من أخلاق العلماء ، وقد كان إبراهيم النخعي والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء توقيرا وإجلالا للشعبي ، وإذا طلب منه علم يعلمه عند غيره ممن هو أعلى منه أو أرجح ، ينبغي أن يرشد الطالب إليه ، فالدين النصيحة .
ومن الآداب أن يوقر المجلس وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ، ويتطيب ، ويستاك ويسرح لحيته ، ويتمكن من جلوسه بوقار وهيبة ، وقد كان الإمام مالك يفعل ذلك فقيل له ، فقال : " أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم ، وروي عن عدد من المحدثين أنهم كانوا يكرهون التحديث على غير طهارة ، وسئل سعيد ابن المسيب عن حديث وهو مضطجع في مرضه ، فجلس وحدث به ، فقيل له : وددت لك أنك لم تتعن! فقال : كرهت أن أحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع .
ومن الآداب الإنصات والسكينة وخفض الصوت في مجلس الحديث ، وإذا رفع أحد صوته فينبغي للمحدث أن يزجره ، فقد كان الإمام مالك يفعل ذلك ويقول : قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} (الحجرات: 2) ، فمن رفع صوته عند حديثه فكأنما رفع صوته فوق صوته .
وينبغي للمحدث أن يقبل على الحاضرين ، وأن يتجنب الإغراب والإبهام ، فيفتتح مجلسه ويختمه بحمد الله تعالى ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاء يليق بالحال ، وذلك بعد قراءة قارىء حسن الصوت شيئا من القرآن ، ويتأنى في قراءة الحديث ، فلا يسرده سردا يمنع البعض من فهمه ، فقد كان الإمام مالك لا يستعجل ويقول: " أحب أن أتفهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتقول عائشة رضي الله عنها كما في البخاري (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه) ، وفي رواية (لم يكن يسرد الحديث كسردكم).
ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه حال الرواية بما هو أهله كما فعل جماعات من السلف ، ويخصه بالدعاء ، كقول عطاء :حدثني الحبر البحر يعني ابن عباس ، وقول مسروق : حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة ، يعني عائشة رضي الله عنها ، وقول شعبة : حدثني سيد الفقهاء أيوب ، وقول وكيع : حدثني سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث .
وينبغي للمحدث أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بهرم أو خرف أو عمى ، وذلك يختلف باختلاف الناس .. هذه بعض آداب المحدث ، وهي آداب يحتاج إليها كل من يتصدر مجالس العلم ، أو يتصدى للتدريس ، وهناك آداب تخص طالب الحديث والمستمع ، ومن يحضر مجالس العلم تأتي تباعا في موضوع لاحق إن شاء الله تعالى .