السرايا بعد غزوة أحد

0 1220

بعد أحداث غزوة أحد، وما حصل فيها من ابتلاء وهزيمة للمسلمين، انتشر بين الأعداء الشعور بالفخر، وحصلت لديهم الرغبة في الكيد بالمسلمين والقضاء عليهم، وإظهار قوتهم وبطشهم، فاستعد المشركون لتنفيذ مؤامراتهم الدنيئة لضرب شوكة الفئة المؤمنة من خلال الهجوم على المدينة النبوية.

وفي المقابل، تأهب النبي صلى الله عليه وسلم لأي هجوم أو مبادرة من قبل الأعداء، فما إن شعر بهجوم مباغت على المدينة حتى أرسل بعض السرايا لاستكشاف الأمر والوقوف على مخططات الأعداء، فمن تلك السرايا:

 

 

سرية أبي سلمة

انطلقت هذه السرية في مطلع هلال محرم من السنة الرابعة للهجرة، وكان سببها طمع  أعراب "بني أسد" في مهاجمة المسلمين، وحينئذ شرع طليحة و سلمة ابنا خويلد في جمع الحشود من أجل مهاجمة المدينة طمعا في خيراتها، وانتصارا لشركهم، ومظاهرة لقريش في عدوانها.

 إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعان ما فوت عليهم الفرصة وأخذ بزمام المبادرة، فقام بتشكيل سرية قوامها مائة وخمسون رجلا من المهاجرين والأنصار، وأمر عليهم أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وعقد له اللواء، وأمره بالسير إليهم والإغارة عليهم قبل تلاقي جموعهم.  

فانطلقت تلك السرية بدافع الإيمان، ومنع العدوان، ورغبة في كف الأذى، حتى باغتوا القوم وشتتوهم وفرقوا جموعهم قبل تحركهم، وكانت العاقبة للمسلمين، فرجعوا إلى المدينة سالمين غانمين دون حرب أو قتال.

وكان أبو سلمة رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، وقد عاد من هذه السرية متعبا، وقد انفجر جرحه الذي أصابه في أحد، فلم يلبث أن توفي على إثره رضي الله عنه وأرضاه.

ومما يلاحظ في هذه السرية: الدقة في التخطيط الحربي عند النبي صلى الله عليه وسلم، حيث خطط لمباغتة العدو في عقر داره، كما يلاحظ دقة المسلمين في تنفيذهم لتلك الخطة على أتم وجه.

 ومن الفوائد التي جناها المسلمون من هذه السرية إشعار العدو بقوتهم، مما يحملهم على الإذعان، ومصالحة المسلمين، وعدم الاعتداء عليهم .

سرية عبد الله بن أنيس

وكانت في الخامس من المحرم سنة 4هـ بعد سرية أبي سلمة ، وكان الهدف منها لفت نظر العدو إلى قوة المسلمين، وإحباط مخططاته، حيث تبادر إلى أسماع المسلمين أن خالد بن سفيان الهذلي يجمع المقاتلة من هذيل في عرفات من أجل غزو المدينة، مظاهرة للمشركين، ومعاداة للمؤمنين، وطمعا في خيرات المدينة.
فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخماد تلك المؤامرة في عقر دارها، وكلف الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس الجهني بالقيام بتلك المهمة، فانطلق عبد الله حتى أتى خالد بن سفيان ، وتعرف على صفته التي نعته بها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أوهمه أنه جاء للانضمام إليه، فلما تمكن منه حمل عليه بسيفه، فأرداه قتيلا، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعل، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه عصاه إكراما له، ولتكون علامة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

ويستفاد من هذه الحادثة:

دقة الرصد الحربي عند الرسول وأصحابه، ومتابعة تحركات العدو ومؤامراته، وضرورة مباغتته في عقر داره، وفراسته صلى الله عليه وسلم في اختيار الرجال، وتكليف كل بما يتناسب وقدراته، فقد اختار عبد الله لهذه المهمة لما يتمتع به من قوة قلب، وثبات جنان، ورسوخ يقين، إلى جانب ما يمتاز به من معرفة بمواطن القبائل لمجاورتها ديار قومه "جهينة".

وهكذا استطاع المسلمون بإخلاص جهادهم في سبيل الله أن يبثوا الرعب في قلوب الأعداء، ويشعروهم بقوة إيمانهم ورسوخ عقيدتهم، ويضطروهم إلى المسالمة، وعدم الاعتداء.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة