- اسم الكاتب:الشبكة الإسلامية
- التصنيف:أديان
أشاد القرآن الكريم بالعقل ، وجعله مناط التكليف، وأصبح من القواعد الثابتة في شرعنا أن من لا عقل له، لا تكليف عليه .
وأمر الله الناس أن يعملوا عقولهم، فأمر بالنظر والتفكر والتدبر في آياته، حتى يخلص الإنسان من خلال ذلك إلى الحق الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، قال تعالى : { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد }(سـبأ:46) ، وعير سبحانه الكفار بتركهم تعقل وتفهم وحيه، فشبههم بالبهائم، فقال سبحانه : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون }(البقرة:171) ، وقال أيضا : { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون } ( الأنفال:22)، والآيات في هذا الباب كثيرة . ومن قرأ القرآن بتدبر وتفهم علم قيمة العقل ومنزلته في دين الله عز وجل .
فأين هذا من النقيض الذي يدعوا إليه النصارى من إهمال العقل أو على الأقل تهميشه وتحييده،لاسيما في العقائد المبتدعة الدخيلة على دين الله الذي بعث به عيسى عليه السلام .
وحتى لا يكون كلامنا افتراء نخطه دون أن نقدم بينة عليه، نذكر شاهدين من كلام النصارى أنفسهم في دعوتهم إهمال العقل عند النظر في عقائدهم وأفكارهم ، يقول القديس أنسليم : " يجب أن تعتقد أولا ما يعرض على قلبك بدون نظر ، ثم اجتهد بعد ذلك في فهم ما اعتقدت " أ.هـ عن كتاب مقارنة الأديان لشلبي ( ج2/223 ) ويقول القس وهيب الله عطا : " إن التجسيد قضية فيها تناقض مع العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية ، لكننا نصدق ونؤمن أن هذا ممكن حتى ولو لم يكن معقولا " ( نفس المصدر 2/124 ) .
فاعجب لهؤلاء كيف يريدون من الناس أن يهملوا عقولهم التي ميزهم الله بها على سائر الحيوانات، لتسلم لهم خرافاتهم - وما أدخلوه في دين الله عز وجل - من أن تنالها معاول النقد، وهذا والله هو ما جرأ العلمانيون والملاحدة على النيل من الدين النصراني الذي دخل - بسبب تحريف أهله له - دهاليز الخرافة والدجل .
ولعل من أوضح ما يمكن الاستشهاد به على ضلال عقائدهم، ومصادمتها لقضايا عقلية صحيحة متفق عليها عند جميع العقلاء، ما اخترعوه من الشرك بالله عز وجل حيث نسبوا له ابنا وادعوا أنه إله مع الله سبحانه وتعالى،ثم أضافوا إلى قائمة آلهتهم روح القدس فأصبح لدى النصارى ثلاثة آلهة هي : الآب " الله " والابن " عيسى " وروح القدس ، وهذا هو الثالوث الذي يعتقدون ألوهيته ، ويسمونه توحيدا .
وبهذا التثليث أبطل النصارى التوحيد الذي جاء به المرسلون ومنهم عيسى عليه السلام وحولوه إلى شرك ، ومن العجب أن يدعوا بعد هذا أنهم ما زالوا على التوحيد ، وأن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة ، في معادلة يستحيل على كل ذي عقل فهمها فضلا عن التسليم بها ، فقد غلطوا - كما يقول ابن تيمية - في أول مسألة من الحساب الذي يعلمه كل أحد!! وهو قولهم الواحد ثلاثة .
ولنترك لأحد علمائهم مهمة إفهامنا هذا الشرك الذي يسمونه توحيدا أو تثليثا ، يقول الأب بولس الياس اليسوعي في كتاب " يسوع المسيح" : " من الناس من يقولون : لم يا ترى إله واحد في ثلاثة أقانيم ؟ أليس في تعدد الأقانيم انتقاص لقدر الله ؟ أليس من الأفضل أن يقال : الله أحد فحسب ؟ لكننا إذا اطلعنا على كنه الله لا يسعنا إلا القول بالتثليث ، وكنه الله محبة ( يوحنا : 4 : 16 ) ولا يمكن إلا أن يكون محبة، ليكون الله سعيدا ، فالمحبة هي مصدر سعادة الله، ومن طبع المحبة أن تفيض وتنتشر على شخص آخر فيضان الماء وانتشار النور، فهي إذن تفترض شخصين على الأقل يتحابان ، وتفترض مع ذلك وحدة تامة بينهما . وليكون الله سعيدا - ولا معنى لإله غير سعيد وإلا لانتفت عنه الألوهية - كان عليه أن يهب ذاته شخصا آخر يجد فيه سعادته ومنتهى رغباته ، ويكون بالتالي صورة ناطقة له ، ولذا ولد الله الابن منذ الأزل نتيجة لحبه إياه، ووهبه ذاته، ووجد فيه سعادته ومنتهى رغباته، وبادل الابن الأب هذه المحبة ووجد فيه هو أيضا سعادته ومنتهى رغباته . وثمرة هذه المحبة المتبادلة بين الأب والابن كانت الروح القدس . هو الحب إذا يجعل الله ثالوثا وواحدا معا .
" ولا يصح أن يكون هذا الكائن الذي حبس الله الأب محبته عليه إلا الابن ، ولو كان غير الابن ، ولو كان خليقة محدودة ، بشرا أو ملاكا لكان الله بحاجة إلى من دونه كمالا ، وعد ذلك نقصا في الله، والله منزه عن النقص، فتحتم إذا على الله والحالة هذه أن يحبس محبته على ذاته فيجد فيها سعادته ، لهذا يقول بولس الرسول : " إن الابن هو صورة الله الغير منظور وبكر كل خلق " ( كولوس 1: 15 ) .
وليس الله إذا كائنا تاهئا في الفضاء ، منعزلا في السماء ، لكنه أسرة مؤلفة من أقانيم تسودها المحبة وتفيض منها على الكون براءته ، وهكذا يمكننا أن نقول إن كنه الله يفرض هذا التثليث " انتهى بواسطة مقارنة الأديان لشلبي 2/115-116 .
فهل سمعت أخي القارئ هذيانا كهذا ، وهل فهمت حقيقة الثالوث ، وهل انفك لك لغز : الثلاثة واحد ، والواحد ثلاثة ، قد تقول إن الرجل لم يحسن التعبير ولم يوفق لبيان الحقيقة لكني أقول إن كل من يفسر هذه العقيدة - سواء من متقدميهم أو متأخريهم - يقع فيما وقع فيه الأب الياس من الإيهام والإغراب وربما أعظم وأشد ، والسبب وراء ذلك أنهم تائهون حائرون ليس لهم مرجع من الإنجيل في تفسير عقيدة التثليث فكل واحد يفسرها حسب فهمه وهواه . ومن هنا قيل لو اجتمع عشرة من النصارى على بيان عقيدتهم في المسيح لتفرقوا على أحد عشر قولا .
ولتوضيح هذه الحقيقة - وهي افتقاد النصارى المرجع في تفسير عقائدهم - نسأل الياس ما مستنده فيما ذهب إليه من أن المحبة تقتضي اتحادا تاما بين المحبوب ومن يحب ؟!! أو ليس البشر يحب بعضهم بعضا دون أن يكون هناك حلول أو اتحاد بين المحبوبين ؟ ثم من أين له أن الله ولد ابنا ووهبه ذاته ؟!! ثم من أين له أيضا أن روح القدس انبثق من المحبة المتبادلة بين الآب والابن ؟ إن نصوص الإنجيل لا تدل على شيء من ذلك . لا تصريحا ولا تلميحا ، ولكنه التحكم والهوى نسأل السلامة والعافية .
ولنعد إلى أصل القضية، فنقول إن لفظ الابن له معنى حقيقي ومعنى آخر مجازي ، فالمعنى الحقيقي أنه حيوان ولد من نطفة حيوان هو من نوعه ، هذا هو معناه في اللغة وهذا المعنى محال في حق الخالق سبحانه ، لذلك جاء القرآن باستبعاده وتنزيه الله عنه، قال تعالى : { بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم } (الأنعام:101) .
والمعنى الثاني معنى مجازي يراد به أنه في منزلة الابن النسبي من حيث تعلقه بخالقه ، وحماية الخالق له ، ورحمته به وشفقته عليه ، وهذا المعنى هو المراد بنصوص الإنجيل في نسبة عيسى أنه ابن الله كما سيأتي .
وإذا تبين معنى الابن في اللغة فلا يجوز التلاعب بعد ذلك في الألفاظ ، فالواجب ضبط الألفاظ بمعانيها منعا للخبط وعدم الضبط فإن الألفاظ قوالب المعاني، فلا يجوز أن يقال إن عيسى ابن الله ثم يفسر قائل هذا القول كلامه بأنه أراد أن عيسى هو علم الله أو محبته أو أنه أقنوم غير أقنوم الأب وغير أقنوم روح القدس إلى آخر هذه التحكمات ، لأننا سنقول له إن كلمة ابن لم توضع للدلالة على العلم أو المحبة أو الأقنومية وإنما وضعت للمعنى الذي ذكرنا .
فهذه لمحة موجزة عن تثليث النصارى أحببنا من خلالها إلقاء الضوء بصورة مجملة على أهم عقائدهم ، وقد ركزنا فيها على بيان أمرين :
الأول : إظهار اعترافهم بأن عقائدهم مصادمة للعقل .
الثاني : إظهار سبب خلافهم في بيان حقيقة التثليث، وهو أنهم لا ينطلقون في تفسيره من نصوص قاطعة من الأناجيل . وهو ما أدى إلى اتساع هوة الخلاف بينهم،حتى وصل إلى تفرقهم على فرق وطوائف يكفر بعضهم بعضا .
وسنأتي إن شاء الله على بعض الشبه التي تمسكوا بها في إثبات التثليث واستدلوا عليه ببعض نصوص الأناجيل، وسوف نرد على هذه الشبه من واقع الأناجيل نفسها حتى يكون أبلغ في الحجة على النصارى .