- اسم الكاتب:نور الهدى سعد
- التصنيف:الإعلام
ماتت سعاد حسنى، ومات د. محمود حماية وفضح الموتان معايير التكريم المختلة فى المجتمع العربى والإسلامى ، وأكدا أن البريق الإعلامى والضوء الصحفى لا يسلطان على من يستحقون ، ولا يختاران الجديرين بأن يخلد ذكرهم؛ لأنهم أعطوا بالفعل وتركوا علما ينتفع به.
ومع كل الاحترام لجلال الموت وهيبته وقدسيته نتساءل:
ما الذى قدمته الفنانة الراحلة - فى ظروف غامضة - سعاد حسنى ليظل التليفزيون والإذاعة مكرسين للحديث عنها وإذاعة أفلامها وأحاديثها ؟ وما الذى لم يقدمه د. محمود حماية الأزهرى العف الذى لم يسع إلى الشهرة ، ولم يتمسح بأستار مسؤول، ولم يبغ طوال عمره الدعوى - أكثر من ثلاثين عاما - سوى الدفاع عن الحق والحفاظ على هيبة الأزهر ومكانته، وإحياء دور العلماء فى مواجهة الظواهر السلبية فى المجتمع؟
عندما مات د. محمود حماية فى 24 من يونيو الفائت عن 55 عاما بعد معاناة ليست طويلة من مرض سرطان الكبد، كان قد فقد - رسميا - صفته الوظيفية كرئيس لقسم العقيدة بجامعة الأزهر فرع أسيوط ، بعد أن فصله د. محمد سيد طنطاوى - شيخ الجامع الأزهر - بدعوى العيب فى ذاته إثر مقال انتقد فيه د. حماية تطوير الأزهر، وحول بعده إلى مجلس تأديب أصدر قرار الفصل الذى تحالف مع المرض على عالم أزهرى كان شعاره: اعمل للدنيا أو للآخرة، فلا يجمع بينهما إلا منافق.
للذين لا يعرفونه
لم يكن د. محمود ممن يوصمون بأنهم مداهنون ؛ فقد كرس فكره وقلمه للدفاع عما يؤمن به مهما كلفه ذلك من خسائر فى العرف الدنيوى ، وحينما لقى وجه ربه لم يحضر الصلاة عليه ولا جنازته شيخ الأزهر أو وكيله أو أى ممثل عنه،
ولكن آلافا من تلاميذه ومحبيه فعلوا ذلك ، وعبر بعضهم عن ندمه؛ لأنه لم يستطع الدفاع عن د. حماية فى حياته عندما تعرض للظلم والتعسف دون وجه حق ، وعندما دفع غاليا ثمن مواقفه واختياراته وقناعاته.
ود. حماية - للذين لايعرفونه - ولم يعرفهم به الإعلام حين لقى وجه ربه بعد ثلاثة أيام فقط من وفاة سعاد حسنى ـ التى (أجبر ) كثيرون على أن يعرفوا عنها كل شىء رغم عدم اهتمامهم بهذا ـ هو محمود على عبد الرحمن حماية الذى ولد يوم 23 من جمادى الآخرة عام 1365هـ - 25 من مايو 1946م فى إحدى قرى صعيد مصر ، وحفظ القرآن كله فى سن مبكرة ، ثم التحق بمعهد أسيوط الدينى عام 1960، وحصل منه على الإعدادية والثانوية ، ثم التحق بكلية أصول الدين وعين معيدا بعد تخرجه، وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه، ثم ترقى ليصبح رئيسا لقسم الدعوة والثقافة الإسلامية عام 1990.
وهو من أبرز أعضاء جبهة علماء الأزهر التى تم حلها بحكم قضائى ، كما أنه من مؤسسى ندوة العلماء التى استهدفت تصحيح المفاهيم الدينية للشباب ، والقيام بدور الوساطة بينهم وبين السلطات لإقامة حوار بين الطرفين يحقن الدماء.
والذين عاشروا د. حماية العالم والإنسان - من أساتذة الأزهر - نعوه بكلمات موجزة ربما ردت إليه بعض حقه الذي سلب منه فى الدنيا ثمنا لمواقفه الشجاعة ، فقد قال عنه د. محمد أحمد المسير : إنه كان عالما مخلصا حكيما على حياء كبير .
وقال الدكتور محمد عبد السميع جاد: إنه كان ذكارا لله ، شجاعا فى الحق، يساعد الطلبة الفقراء ويعزف عن الشهرة والظهور.
أما د. محمد عمارة - المفكر الإسلامى - فقد نعاه قائلا:
فى مثل هذ المقام يتذكر الإنسان معادن الرجال ، وأشهد الله أن فقيدنا الدكتور محمود حماية كان رجلا من معدن نفيس فى زمن قلت فيه النفاسة عند الرجال .
وهكذا بعد جهاد دعوى - مثمر إن شاء الله - مات د. حماية ونشر خبر وفاته فى زاوية صغيرة بالصفحة الأولى من الأهرام القاهرية،
ولأنه لم يكن فنانا أو لاعب كرة لم ينشر شىء عن سيرته الذاتية ، ولم ينقل التلفاز على الهواء مراسم تشييع جنازته ، ولم تخصص له الصحف والمجلات ملاحق مجانية تتناول عطاءه ومسيرة حياته.
مات الرجل فى هدوء وبلا ضجيج ، كما عاش فى هدوء ، عازفا عن ضجيج الشهرة الإعلامية مخلصا متجردا لا يخشى فى الحق لومة لائم ، ويوطن نفسه على التقشف والزهد، ويوصى أبناءه بذلك قائلا: يابنى دربوا أنفسكم على التخفف من الدنيا حتى إذا قطعوا مرتباتكم ذات يوم أمكنكم أن تعيشوا على كسرة من خبز.
رحم الله د. محمود حماية وأجزل له أجر عطائه العلمى ، وعوضه خيرا فى آخرته عما عاناه فى دنياه ظلما ومرض