الأعذار المبيحة للفطر

0 1176

رفع الحرج وعدم إلحاق الضرر والمشقة بالمكلف من المقاصد الأساسية التي راعتها الشريعة الإسلامية، وتظافرت عليها أدلة الكتاب والسنة، وفي ذلك يقول تعالى: (يريد الله بكم اليسر) (البقرة:185)، ويقول سبحانه: (يريد الله أن يخفف عنكم) (النساء:28)، ويقول عز وجل: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج:78)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته) رواه أحمد، وفي رواية: (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه) رواه البيهقي وغيره.

وقد قرر أهل العلم استنادا إلى هذه النصوص عددا من القواعد الفقهية، التي تفيد رفع الحرج وإزالة الضرر والمشقة عن المكلف؛ من ذلك قولهم: "المشقة تجلب التيسير"، وقولهم: "الضرر مدفوع شرعا"، وقولهم: "الأمر إذا ضاق اتسع"، ونحو ذلك مما أصله الفقهاء في قواعدهم الفقهية.  

وصيام رمضان وإن كان فرضا على كل مكلف عاقل بالغ، إلا أن هناك بعض العوارض والأعذار التي قد تطرأ على المكلف، فتصرف عنه حكم الوجوب، ويباح له الفطر حينئذ، وربما وجب في حقه كما في حالات معينة، وهذه العوارض هي ما يعرف بـ "رخص الفطر" أو "الأعذار المبيحة للفطر" ومنها:

أولا: المرض
والمرض تغير يطرأ على الإنسان يخرجه عن طبيعته السوية، وهو من الأعذار المبيحة للفطر؛ لقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (البقرة:184)، وضابط المرض المبيح للفطر هو المرض الذي يخاف معه الضرر والهلاك، أو يلحقه به مشقة شديدة تزيد في مرضه، أو تؤخر برءه وشفاءه، فهذا هو الذي يجوز الفطر معه، ويقضي ما أفطره عند زوال عذره، أما المرض الذي لا يلحق الصائم معه ضرر أو مشقة، فلا يرخص له في الفطر.

ثانيا: الكبر 
الشيخ الكبير والمرأة العجوز يرخص لهما في الفطر، لعدم القدرة على الصيام، ولا قضاء عليهما إذا كان الصيام يشق عليهما مشقة شديدة في جميع فصول السنة، وعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكينا، لقوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)(البقرة:184)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الآية ليست منسوخة، وهي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا"، ومثلهما المريض مرضا لا يرجى برؤه، ويشق عليه الصوم، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا.

ثالثا: الحمل والرضاعة
اتفق الفقهاء على أنه يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على نفسيهما، أو ولديهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم) رواه النسائي وغيره، ويجب عليهما قضاء ما أفطرتا من أيام أخر، حين يتيسر لهما ذلك، ويجب التنبه هنا أن مجرد الحمل والرضاعة لا يبيحان الفطر في رمضان، وإنما الذي يبيح الفطر هو خوف الحامل والمرضع على نفسها أو ولدها.

رابعا: السفر
المسافر إذا لم يقصد بسفره التحيل على الفطر، فإنه يرخص له فيه، لقول الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (البقرة:184)، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم: (إن الله وضع عن المسافر الصوم)، والسفر المبيح للفطر هو السفر الطويل الذي تقصر فيه الصلاة الرباعية، ويجب عليه القضاء بعد ذلك، وهو مخير في سفره بين الصوم والفطر، لقول أنس رضي الله عنه كما في "الصحيحين": (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم)، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كانوا يرون أن من وجد قوة فصام، فإن ذلك حسن، وأن من وجد ضعفا فأفطر، فإن ذلك حسن).

خامسا: دفع ضرورة
يرخص الفطر - وربما يجب - لدفع ضرورة نازلة، كإنقاذ غريق، أو إخماد حريق، ونحو ذلك، إذا لم يستطع الصائم دفع ذلك إلا بالفطر، ويلزمه قضاء ما أفطره، ودليل ذلك عموم الأدلة التي تفيد رفع الحرج، ودفع الضرر، والقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ومثله ما لو احتاج إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله، وقتال العدو، فإنه يفطر ويقضي ما أفطر، سواء كان ذلك في السفر أو في بلده إذا حضره العدو، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم) فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر. ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: (إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا) وكانت عزمة، فأفطرنا".

هذه هي أهم الأعذار المبيحة للفطر شرعها الرؤوف الرحيم بعباده؛ رفعا للحرج والعنت عن العباد، ودفعا للضرر والمشقة عنهم، منها ما يلزم صاحبها بقضاء الأيام التي أفطرها كما في حق المسافر، والمرضع، والحامل، والمريض مرضا يرجى شفاؤه، ومنها ما لا يلزمه قضاء تلك الأيام كما في حق الكبير، والمريض مرضا لا يرجى شفاؤه، وإنما تلزمهم الفدية فحسب، وهي إطعام مسكين عن كل يوم أفطروه، وأما الفطر في رمضان من غير عذر، فهو من كبائر الذنوب، التي ورد الوعيد الشديد تجاه مرتكبها.  

مواد ذات صلة

المكتبة