دعائم الحياة الزوجية

0 1008

قال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)[الروم:21].
من آياته تبارك وتعالى أن خلق للناس من أنفسهم أزواجا، ليجدوا فيها سكنا للنفس والأعصاب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارا للحياة والمعاش، وأنسا للأرواح والضمائر، واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء.
والأصل في كل رجل سوي أن يكون زوجا وكذلك المرأة؛ لأن أيا منهما لا غنى له عن هذه الصفات المثلى التي يسعى إليها كل مخلوق من السكن والرحمة والمودة ، وذكر تبارك وتعالى أن في ذلك آيات لمن يتفكر ويتدبر.

يقول سيد قطب: "فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقا للآخر، ملبيا لحاجته الفطرية : نفسية وعقلية وجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار؛ ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة؛ لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد" .
ولقد جرى على هذه السنة البشرية الأصيلة الصالحون والأنبياء ومنهم نبينا محمد صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية)[الرعد:38].
وأما حكمه الشرعي فلنستمع إلى الحديث الصحيح الشريف. يقرره بأبلغ بيان: قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطيع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".[رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود].
وفي هذا الحديث وغيره من الأحاديث ترغيب في الزواج وندب إليه، وقد ذهب العلماء إلى أن الزواج يكون واجبا إذا كان المرء قادرا وخشي على نفسه العنت ، أما إذا لم يكن قادرا فعليه أن يستعف حتى يغنيه الله من فضله، وقد دل الحديث على وسيلة ناجعة لتحقيق العفة وهي الصيام ، قال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)[النور:32]. يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال.

وفي الآية مجال لأن يفهم أن المرء إذا أغناه الله من فضله فعليه أن يتزوج ، والإسلام في موقفه هذا من الزواج ينسجم مع نهجه الرباني الكريم من حرصه على عدم مصادمة الفطرة، وتصعيد الغرائز حتى تؤدي غرضا نظيفا بناء.
بينما هناك في عالمنا اليوم مذاهب علمانية تعزف عن الزواج وتجده لا يرضى به إلا السخفاء، ومذاهب دينية ترى أن الزواج تدنس لا يتفق والارتقاء في سلم الروح، كما تذهب إلى ذلك النصرانية الكنيسة، التي تشترط في رجال الكهنوت عدم الزواج لينالوا الرتب العالية.
أين هذا السلوك المصادم للفطرة والغريزة، ممن يجعل الزواج سنته ويبرأ ممن يريد أن يمتنع عن الزواج؟ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أرادوا أن يقوموا الليل ويصوموا الدهر ويمتنعوا عن الزواج. قال: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وأين هذا السلوك المصادم للفطرة ممن يجعل الاستمتاع بالحياة الزوجية الحلال صدقة؟ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: "وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".

دعائم الحياة الزوجية في الإسلام

أما دعائم الحياة الزوجية في الإسلام فسأذكر أهمها فيما يأتي:

1- تحكيم دين الله في الحقوق والواجبات لكل من الزوجين:
وهذا يقطع دابر الخلاف، ويتيح للسعادة أن ترفرف بأجنحتها على بيت الزوجية، ذلك لأن الاحتكام إلى مقاييس ربانية وضعها رب العالمين يجعل في النفس راحة في الأخذ بها والوقوف عند حدودها، ولن يكون هناك نكد ولا خصام ولا خلاف إذا روعيت من الطرفين كليهما.

2- حب ومودة ورحمة وسكن للزوجين:
هذه الصفات الثلاث الحب والمودة والرحمة، وإن كانت متقاربة في المعنى لكن نلمس بينها شيئا من الفروق الدقيقة.
فالحب عاطفة تعمر جوانب القلب، وتقوم في داخل النفس، والمودة قد تكون مظهر هذا الحب ويسلك الزوجان للتعبير عنها سبيل المؤانسة والملاطفة والهدية.
وأما الرحمة فهي فيض من المشاركة الصادقة في الفرح والحزن، والإشفاق المخلص، والمعونة الظاهرة فيما يستطيع الإنسان أن يفعله، وقد تكون بالنظرة الحانية والابتسامة المشرقة، والكلمة الطيبة، والمساعدة المادية، وذكر تبارك وتعالى المودة والرحمة فقال: (وجعل بينكم مودة ورحمة)[الروم:21]. وينتج عن ذلك كله السكن النفسي الذي تتجمع فيه السعادة كلها ، قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها)[الروم:21] ، وقال عز من قائل: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها)[الأعراف:189].

3- تعاون بين الزوجين في الحياة المشتركة تحت شعار الإيثار والتضحية:
فالزوجان يعملان في بناء أسرة إنسانية، ولا يمكن أن يتم البناء إلا بأن يكون عملهما متصفا بالتضحية والإيثار والتسامح والتحمل، وإن غاب الإيثار والتسامح والتضحية من جو الأسرة فلن تجده في جو آخر.

4- العدالة والإنصاف في كل شأن من شؤون الحياة والتكافل التام في أحداثها:
نعم ينبغي أن يكون لك منهما عادلا مع الآخر، فالظلم محرم بين المسلمين عامة. والحرص على العدل والتكافل من الطرفين ينفي وجود الإحساس المرير بالظلم. والعدالة التي نريدها دعامة من دعائم الحياة الزوجية عامة، تشتمل الموقف والكلمة والطلب والنفقة والثقة.

- فمن العدالة اجتناب اللجاجة في الخصومة والإساءة في الكلمة.
- ومن العدالة ألا يحمل أحد الزوجين صاحبه ما لا يطيق.
- ومن العدالة الاقتصاد في النفقة واجتناب الشح.
- ومن العدالة ألا يصغي أحدهما لوشاية الوشاة ولا لسعي النمامين ولا لهدم الهدامين.
والتكافل هو السبيل الوحيد الذي يجعل سفينة الحياة الزوجية تسير على طريق البناء والخير والسعادة والفلاح.
ولن تكون هناك سعادة في أسرة تقوم على الاستغلال والتقصير والتواكل والظلم.

إن بيتا تقوم دعائم الحياة فيه على هذه الأسس المذكورة لجدير أن يقدم للأمة من تحتاجه من الأفراد الصالحين الأصحاء المستقيمين، ومازالت الأسرة في بلادنا ولله الحمد هي اللبنة الأولى التي تزخر بقيم أصيلة، يصلح بصلاحها المجتمع، فلنعمل على تسهيل الزواج، ولنهيئ الظروف والأسباب، لتقوم دعائم الحياة الزوجية كما أرادها الإسلام ، لنسعد في مجتمعنا، ولنقدم للإنسانية كلها نموذج الحياة الصالحة النظيفة السعيدة.
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)[الفرقان:74].
" من كتاب نظرات في الأسرة المسلمة"

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة