- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:أركان الدعوة
**من فقه الإصلاح ***
كتبنا في مقال سابق عن الدعوة إلى الإصلاح بين الناس ، وكون ذلك من أفضل أبواب البر لما لفساد ذات البين من أضرار على الأفراد وعلى الأمة ككل.. ونحن في هذا المقال نتحدث عن شئ من فقه الإصلاح فإن للإصلاح بين الناس فقه ينبغي أن يدرى ويعقل، وسبيل ينبغي أن ينتهج ويسلك، حتى يؤتي المسعى مبتغاه ، ويبلغ طريق التوفيق بين المتشاحنين منتهاه ..
_ **فمن فقه الإصلاح:***النية الخيرة، وابتغاء مرضات الله، وتجنب الأهواء الشخصية والمنافع الدنيوية. قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما)[النساء:114].
فمن فعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، وحقق الإخلاص، حل التوفيق وجرى التوافق وأصلح الله الأحوال.
وأما من قصد بإصلاحه الترؤس والرياء، وارتفاع الذكر والاستعلاء، أو أي مطلب غير وجه الله، وطلب النصح للمتخاصمين، فبعيد أن ينال ثوابا في أخراه، وحري ألا يحالف التوفيق مسعاه. قال تعالى: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا)[النساء:35].
_ **ومن فقه الإصلاح***: سلوك سبيل السر والنجوى، فإن النجوى وإن ذم أصحابها إلا إنه استثنى منها ما كان أمرا بصدقة أو معروف أو سعي بالإصلاح بين الناس (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس).
فإن من الخير في باب الإصلاح أن يسلك المصلح مسلك النجوى والمسارة؛ لأن من عرف أحوال الناس في المنازعات والخصومات أدرك ما تسعى إليه النفوس، وينادي به الهوى والشيطان، من حب الغلبة وانتصار النفس وعدم الظهور أمام الناس بمظهر المتراجع وإن كان على غير الحق. وهنا يأتي مسلك السرية فيذهب أهل المروءات إلى هذا في بيته فيكلمونه بعيدا عن عين الخصم وأعين الناس، فيكون هذا أرجى للإصلاح بإذن الله.
_ **ومن فقه الإصلاح***: استعمال المعاريض في الكلام والكذب إذا لزم الأمر، فقد أجاز الشارع الحكيم للساعي بالإصلاح أن يكذب لهذه المصلحة الكبرى، خصوصا ما يحتاجه من مسالك السر لتحسين صورة الخصم أو لتقريب ما بين الخصوم؛ ففي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا". وروى الترمذي وقال: حديث حسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: رجل يصلح بين اثنين، والحرب خدعة، والرجل يصلح امرأته".
فالكذب كله حرام إلا في هذه المواطن لحاجة الناس إليه فيها للإصلاح لا للإفساد، ولذا رخص فيه الشارع في هذه المواطن دون غيرها. قال نعيم بن حماد: سألت سفيان بن عيينة: أرأيت الرجل يعتذر من الشيء عسى أن يكون قد فعله، فيحرف فيه القول ليرضي صاحبه. أعليه فيه حرج؟ قال: لا.
_ **ومن فقه الإصلاح: ***أن يتحمل الساعي بالصلح بين الخصمين عن أحدهما أو عنهما حمالات للإصلاح بينهما كدية قتيل أو غرم مالي أو غير ذلك، فله أن يأخذ من الزكاة، فإنه مصرف من مصارفها، كما قال تعالى: (والغارمين).
_ **ومن فقه الإصلاح:*** حكمة المنهج، وجميل الصبر، وطيب الثناء، وخبرة بأحوال الناس، ومعرفة بأدواء النفوس، وإحاطة بخواطر المتخاصمين، وعقول المتباغضين.
على أن هذا الذي ذكرناه لا يقدر عليه إلا ذوو المروءات من المسلمين الذين شرفت أقدراهم وكرمت أخلاقهم وطابت منابتهم.. أصحاب العزيمة الراشدة، والنوايا الخيرة، والإرادة المصلحة، فكن منهم وعش في أكنافهم.