- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
حاولت يوما الاتصال هاتفيا بأخ لي يقطن إحدى الدول الخليجية، حيث اتصلت به على هاتفه السيار، وبينما كنت أنتظر بلهفة مشتاقا لرده الذي سيضع عني قليلا من حرارة الشوق ونار الحنين، إذا بالرد يأتي مخيبا لآمالي ومحطما لاستعدادي، ومهبطا لنبضات قلبي، ومشعلا لشوقي بالتزايد.. قائلا: إن الرقم الذي تتصلون به حاليا خارج نطاق الخدمة، حينها خطرت على وريقاتي وتبنى قلمي فكرة الصولة والجولة في ميدان التعبير من خلال هذه العبارة عن قضية باتت في الحقيقة نائمة ونومها شكل خطرا على الجميع دون استثناء.. فبدلا من عبارة "إن الرقم الذي تتصلون به حاليا خارج نطاق الخدمة" نقول: "إن كثيرا من الدعاة الذين تطلبونهم حاليا خارج نطاق الخدمة".
فقضية خروج الدعاة عن نطاق الخدمة معناه تعطيل "دينامو" الدعوة وتحطيم القدرات ونكران وجحد المواهب، والركون إلى السراب في صنع المجد والعزة التي نريد، فالدعوة بما تحمله من مضامين وأهداف عليا وبما تتفرع منها من وسائل لا تقتصر على خطيب يعتلي منبرا أو إمام محراب يؤم الناس في مصلاهم أو على شيخ علم يلقي فتاواه ودروسه للناس، لكنها الدعوة بحر يزخر بالمعاني والمثل، وفيها من الخير ما لا يوجد في غيرها. يرتقي أفراد الدعوة "الدعاة" إلى حيث تقبل بهم مسؤولياتهم ـ صغيرة كانت أو كبيرة ـ ولكل فرد من أفرادها مسؤولية تختلف باختلاف المقدرة الحجمية، فالمدير في إدارته داعية، والتاجر في متجره داعية، والكاتب في كتاباته داعية، والموظف في مكتبه ووظيفته داعية، والمرأة الصالحة في بيتها داعية، والمعلم أو المعلمة في أماكن إلقاء علمهما دعاة، والبحار على السفينة داعية، والسائق حيث يسوق سيارته داعية أيضا، وكل في محطته التي يقف عندها ويدور حول رحاها داعية.
قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)[آل عمران:104].
قال الشاعر:
وكيف ينبت في البستان غرس.. ... ..إذا ما عطلت عنه السواقي
فما أجمل أن يصبح كل منا داخل نطاق الخدمة الدعوية، وما أسعده من مجتمع عندما يشعر أنه مسؤول مسؤولية كاملة أمام الله ثم أمام نفسه عن هذه القضية والتي لا تدع مجالا لخلق الأعذار والتسربل مع الرياح الشاردة.
فليكن كل منا حاملا بطاقة اشتراك مستمرة وعضوا فاعلا في ميدان العمل الخالص لله والدعوة إلى الخير ليصبح بعدها ذلك المجتمع خلية طيبة تعطي أكثر من الخير الذي تأخذه، تحمل سلوكا ومبدأ راقيا، تأمن به مكر الزمان. وترسم من خلاله آيات الأمان، لتحظى بعده برعاية واهتمام الأجيال القادمة.
أمنية نتمناها، ويتمناها كل غيور، بحيث لا نسمع يوما من الأيام أن مجتمعنا الإسلامي يحوي أفرادا معطلين رغم القدرة، ومحبطين رغم الإرادة، ومعوقين رغم الموهبة، ليصبحوا بعد ذلك منكسرين يلجون باب الذل والتخاذل من أوسع أبوابه، فيتظاهرون بأنهم دعاة.. ولكنهم في الحقيقة "خارج نطاق الخدمة".
ــــــــــــ
مجلة مساء: عدد (18)