الرحمة خلق النجاة

0 708

إنه خلق نادر في دنيا الناس، فالأرض تئن من قسوة كثير من ساكنيها، انتشرت الجرائم والرذائل، كثر القتل وعظم الدمار، مئات، بل آلاف الأطنان من القنابل الفتاكة تنزل على رؤوس البشر، فتقتل الشيخ في بيته، والعابد في مسجده ،والفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، وتقتل الرضيع في أحضان أمه..
ماذا جرى؟ ما السبب؟
إنه غياب الرحمة.
مع أن الرحمة في الحقيقة كمال في التكوين الفطري للإنسان، لكنه حين انحرف عن منهج الله أصيب في فطرته، مما جعله محتاجا لتذكيره بأهمية هذه الصفة وهذا الخلق.

**أخي: هل تحب أن يرحمك الله؟***
إذا ارحم خلقه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
إن أهل الجنة هم من كانوا في الدنيا يرحمون الخلق ويرقون لهم: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال".
إن من عظمة الإسلام وكمال الشريعة أن أمر أتباعه بالرحمة، الرحمة بالناس، بالمسلمين، بالكافرين، بل بالحيوانات. قال الله عز وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء:107]. وهذه أمثلة:

**الرحمة بالأرملة والمسكين والبنات:***
قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله". رحم الضعفاء من الناس فرحمه الله وأعلى درجته.
وقالت ?عائشة - رضي الله عنها - :جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار". أوجب لها الجنة برحمتها بناتها.

**الرحمة بالصغار: ***
قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي. فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يرحم لا يرحم".
وقدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: "نعم" قالوا: لكنا والله ما نقبل. فقال: "أو أملك أن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة".
فهل تتعامل مع أولادك هذه المعاملة الراقية؟ هل تلاعبهم؟ هل ترحمهم؟

**الرحمة بالمسلمين كافة:***
لقد وصف الله عز وجل مجتمع المسلمين بأنه يتراحم ويواسي بعضهم بعضا: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) [الفتح:29].
"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
فهل نحن كذلك حقا؟ هل نتراحم؟ هل نكظم غيظنا؟ هل نعفو ونصفح؟ وكلها من مظاهر الرحمة.

**الرحمة بالحيوان:***
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له". قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: "في كل كبد رطبة أجر".
ما أروع هذا الشمول الذي تتمتع به تعاليم الإسلام!!
امرأة تعذب بسبب قسوة قلبها تجاه هرة، ورجل يغفر له بسبب رحمته كلبا.
إن الرحمة الإيمانية لتمد ظلالها وراء حدود الإنسان لتشمل حتى الحيوانات...
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الرحماء.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة