رسالة إلى خطيب

0 748

     
  الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
فإن الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال ، وكيف لا تكون كذلك وهي رسالة الرسل والأنبياء ، وطريق المصلحين والعلماء ، لا يقوم الدين إلا بها، ولا ينتشر إلا عن طريقها.

الداعي إلى الله تعالى قائل بأحسن قول : قال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) [فصلت:33].

ولقد بشر الله سبحانه الدعاة إلى الله بالفلاح في الدنيا والآخرة : فقال سبحانه وتعالى : (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) [آل عمران:104].

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة لازمة لعباد الله المؤمنين : قال سبحانه وتعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) [التوبة:71].

وحسبك أخي الداعية أن المخلوقات تدعو لك بظهر الغيب ؛ فقد روى الترمذي بسند جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [إن الله وملائكته ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر ، ليصلون على معلم الناس الخير ] .

أخي ـ خطيب الجمعة ـ : إن خطبة الجمعة لها أهمية كبرى بين وسائل الدعوة المتاحة للدعاة ، فقد يتكاسل الناس عن المحاضرة ، وقد يتخلفون عن الدرس، لكنهم لا يتخلفون عن الجمعة ، إلا الذين لا يصلون أصلا ، لأن المسلمين مأمورون جميعا بحضور الجمعة . قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) [الجمعة:9]. ولذا فقد تجد أمامك جمعا غفيرا من المسلمين ، وربما تجد من بينهم من لا يدخل المسجد إلا يوم الجمعة ، وستجد فيهم الصالح والطالح ، والمفرط والمحافظ ، والمتواضع والمتكبر ، والمتقبل والمعاند . بل ستجد منهم المتعلم والأمي ، والصغير والكبير، والذكر والأنثى ، وغير ذلك من فئات المجتمع ، فكيف تخاطب هؤلاء جميعا بالأسلوب المناسب ، وكيف تستغل هذا الموقف للأخذ بأيدي هؤلاء جميعا إلى طريق الله عز وجل ؟
فبات من الواجب عليك ـ أخي الخطيب ـ أن تتعلم فن الدعوة ؛ لتقدم تعاليم الإسلام في أبهى منظر وأجمل حلة .

أسباب نجاح الخطبة
1ـ التكلم باللغة العربية الفصحى :
ينبغي على الخطيب أن يحرص على أن يلقي خطبته بالفصحى قدر جهده ، لأنها لغة القرآن الكريم، وشعار الإسلام .
والحديث بالفصحى يضفي على خطبتك إشراقا ، وعلى كلماتك نورا ، وفي نفوس مستمعيك قبولا .

2ـ التوسط في الإلقاء :
بحيث لا يكون كلامك سريعا فلا يفهم ، ولا بطيئا فيمله السامعون ، ولتعط لكل موقف ما يلزمه ، فإذا احتاج إلى انفعال أسرعت ، وإن احتاج إلى إقناع أبطأت .

3ـ الاقتصاد في الخطبة :
فلا تكون طويلة مملة ، ولا قصيرة مخلة ، ولا تكون متشعبة الأفكار ، كثيرة الشواهد ، ركيكة المعاني ، بل موجزة مقتصدة ، وتلك هي السنة ، فقد قال سيد الخطباء صلى الله عليه وسلم: (إن قصر خطبة الرجل ، وطول صلاته ؛ مئنة من فقهه). ( رواه مسلم ) ، لأن القصر والإيجاز وإيصال المعنى من أقرب طريق؛ دليل على الفصاحة والعلم والفقه .

4ـ ربط الخطبة بالواقع :
عليك أن تتحسس مشاكل مدينتك وتعالجها من فوق أعواد منبرك ، تعايش الناس وتترك المنبر يجيب عن تساؤلاتهم ، فحينما تكون خطبتك منتزعة من الواقع تكون أقرب إلى قلوبهم وأوقع في نفوسهم .

5ـ المخاطبة على قدر الفهم :
فلا تخاطب العوام بمنطق علمي مرتفع ، ولا المتعلمين المثقفين بمنطق بدائي ممجوج ، بل تخاطب الناس على قدر عقولهم وعلومهم .

6ـ الترفع عن الغلظة في القول والبذاءة في اللسان :
فلا تحقر مستمعيك ، ولا تقلل : من شأنهم ، ولا ترميهم بالجهل وقلة الفهم ، ولا تقذفهم بالفسق والفجور ، أو غير ذلك مما لا يليق بمكانة الداعية ـ حتى ولو كانوا كذلك ـ، بل تتلطف بهم في الحديث ، وترفق بهم في القول . قال تعالى ـ مبينا سبب اجتماع الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم ـ: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [آل عمران:159]. وقال تعالى ـ مرشدا للطريقة المثلى في الدعوة : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [النحل:125].

7ـ استثارة همم المدعوين بما يفتح قلوبهم :
كان تخاطبهم بـ ( يا أخوة الإسلام ) ، ( يا أيها المؤمنون ) ، ( يا من آمنتم بالله ربا ، وبمحمد نبيا ، وبالإسلام دينا ) ، وما شابه ذلك مما يفتح قلوبهم ويقرب نفوسهم ، فإن المحبة مفتاح القلوب .

فهذا إبراهيم عليه السلام يذكر أباه برابطة الأبوة أثناء دعوته ، فيقول : ( يا أبت ..) [مريم : 42] ، ويكررها كثيرا .

وهذا لقمان يذكر ابنه برابطة البنوة ليكون أدعى لقبول الموعظة ، فيقول: (يا بني لا تشرك بالله ...) [ لقمان: 13].

وهذا هود عليه السلام يذكر قومه برابطة القرابة فيقول : ( يا قوم .. ) [ هود : 50].

وربنا تبارك وتعالى يذكر المؤمنين بإيمانهم ، ليردهم وازع الإيمان إلى الاستجابة  والطاعة ،فيقول سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا ... ) [ البقرة : 153].

8 ـ الابتعاد عن الحركات الكثيرة :
ينبغي أن تتسم بالاتزان أثناء الإلقاء ، فلا تتحرك أو تشير إلا في الموقف الذي يدعو إلى ذلك ، وعليك بتجنب الحركات التي تسقط هيبتك من أعين الناس، مثل كثرة بلع الريق ، وفتل الأصابع ، والسعال المتكلف، وكثرة الالتفات ، وما شابهها .

9 ـ حسن المظهر :
ينبغي أن تصعد المنبر بالمظهر اللائق بالداعية ، فلا تلبس ثيابا رثة ، أو ممزقة ، ولا تلبس ثياب المترفين الرقيقة الشفافة .
فعليك أن تكون نظيف الثياب من غير تبرج ، طيب الرائحة من غير إسراف ، مهيب المنظر من غير تكلف .

10ـ التحضير الجيد للخطبة :
لا تصعد المنبر إلا وقد حددت موضوعك ، ورتبت أفكارك وانتقيت ألفاظك ، حتى لا ترتج عليك العبارات ، وتستعجم عليك الكلمات ، فلا تتمكن من تبليغ دعوة مولاك .
ولا بأس في أن تستمع إلى أشرطة الخطباء المشهورين ، والوعاظ المبرزين لتتدرب على طرق الإلقاء ، ووسائل التأثير ، وأساليب الإقناع .

11. ألا تصعد المنبر وأنت ممتلئ المعدة :
لأنه إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، و خرست الحكمة ، وكسلت الأعضاء عن العبادة . وقال محمد بن واسع : من قل طعامه فهم ، وأفهم وصفا و رق ، وإن كثرة الطعام لتثقل صاحبها عن كثير مما يريد . وقال الشافعي : الشبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة ،ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .

تلكم هي أسباب نجاح الخطبة ، فاحرصوا عليها إخواني الخطباء ، وكونوا منها على ذكر دائما ، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه .
...........................

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة