- اسم الكاتب: د .حلمى محمد القاعود ( بتصرف يسير )
- التصنيف:تحرير .. أم تغرير
كان قوم لوط من الشواذ ، يمارسون الفحشاء مع أمثالهم من الرجال ، وعدوا الشذوذ هو الأصل ، والطهارة هى الاستثناء ، ولذا حاربوها وحاربوا الداعين إليها ، وعلى رأسهم سيدنا لوط عليه السلام ، وكانت تساعدهم فى حربهم ضد الطهارة زوجه التى كانت تنقل أخباره إلى قومه ،وكانت نهاية هؤلاء القوم طبيعية حين انقلبت بهم الأرض فصار عاليها سافلها ، ومعهم زوج لوط ، الذى أنجاه الله ومن آمن به .
وقد وردت قصة لوط وقومه فى أكثر من سورة على امتداد القرآن الكريم ، وأكدت القصة دائما على النهاية التى يستحقونها وهى التدمير بخسف الأرض وإمطارهم بحجارة من سجيل لقد وردت القصة فى سور منها :هود ،والحجر ،والأنبياء ،والشعراء ،والعنكبوت .والنمل ،والصافات ،وسأكتفى بإيراد آيات سورة النمل لكشف التفكير المعوج الذى يجادل به قوم لوط ، مع أنهم كانوا أصحاب عقل وبصر : (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون .أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون .فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ،إنهم أناس يتطهرون .فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين .وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) (النمل:54-58).
وتكشف الآيات أن قوم لوط أصروا على شذوذهم وإجرامهم ،وكان ردهم على الاستفهام الإنكارى التوبيخى من جانب لوط عليه السلام هو طلب إخراج لوط ومن معه لأنهم أناس يتطهرون ، الطهارة والعفة والنقاء مسوغات الطرد من الديار عند الشواذ والمنحرفين ..
معاناة المسلمين في فرنسا
وهذه المسوغات بعينها هى ما يرفعه الصليبيون الاستعماريون المتعصبون فى فرنسا ضد المسلمين ، دع قضية الحجاب جانبا ، وانظر إلى مجمل ما يعانيه المسلمون من تمييز عنصرى بشع وكريه فى أرجاء البلاد الفرنسية ،مع أنهم يمثلون القوة الثانية بعد الكاثوليك ،ويبلغ عددهم أكثر من خمسة ملايين مسلم ،منهم ثلاثة ملايين يحملون الجنسية الفرنسية ،والباقى من المقيمين الذين قضوا فترات طويلة هناك فلا يوجد وزير مسلم واحد فى فرنسا ،ولا يوجد مسئولون مسلمون فى الإدارات الفرنسية حتى المستويات الدنيا ..والمسلمون يسكنون غالبا فى الأحياء الفقيرة ،ويعيشون مستوى اقتصاديا أقل من اليهود والكاثوليك ..ومع ذلك فهم يخدمون الدولة الفرنسية بإخلاص ، ويعطونها جهدهم وعمرهم ، ويأبى عليهم المتعصبون أن يكون لهم وجود إنسانى أو كيان محترم ..بل يريدونهم عبيدا بلا دين ولا عقيدة ولا ثقافة ولا هوية !.
الحجاب يقضي على النظام الجمهوري!!
إن فرنسا تمتلئ بالنساء العاريات والداعرات والمدمنين والشواذ والإباحيين ، ولكن ذلك لا يشغلها ولا يمثل لها مشكلة خطيرة ، فقط يشغلها استراتيجيا وقوميا حجاب المرأة الفرنسية المسلمة الذى يعلن من وجهة نظرهاعن هوية صاحبتها الإسلامية ..صار الحجاب علامة وشارة لدى فرنسا المتعصبة الظلامية ،وليس جزءا من العقيدة الإسلامية التى تلزم المرأة بالطهارة والعفة والنقاء ..ويجب التخلص من هذه الشارة وتلك العلامة لأن ذلك يخل بالمعادلة العلمانية ويقضى على النظام الجمهورى ؟!.
مشابهة بين منطقين
ولا ريب أن المشابهة قائمة بين قوم لوط فى منطقهم المعوج ضد المتطهرين ،و المتعصبين الفرنسيين ضد الحجاب ،وكلا الطرفين يملك عقلا وبصرا وعلما وفقها ،ولكن الشذوذ والتعصب ضربا بظلامها على الجميع ،وإذا كان قوم لوط قد نالوا جزاءهم قديما ،فلا أظن المتعصبين الفرنسيين سيفلتون من العقاب الإلهى قريبا أو بعيدا.. وصدق الله إذ يقول " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا " الكهف ، فالظلم هو سبب الهلاك ومقدمته فى كل مكان وزمان !.
ليست قضية حجاب
القضية فى كل الأحوال ليست قضية الحجاب ، وإن كان الحجاب جزءا منها ، إنها قضية الإسلام الذى يكرهه الصليبيون المتعصبون ، ويحاربونه ليل نهار ، ويحققون انتصارات عظيمة ( في هذا المضمار ) .. .. ومع كل هذه الانتصارات الصليبية الاستعمارية ، فإنهم يخافون الإسلام والمسلمين ،لأن قيمه ضد طموحاتهم الشريرة وغاياتهم العدوانية وسلوكهم الإجرامى ضد الآخر استعمارا ونهبا وإذلالا واستعبادا .
المفارقة!!
والمفارقة أن الإسلام ينتشر فى عقر دارهم ،وبين أبنائهم الذين يهديهم الله تعالى إلى التعرف عليه وعلى مبادئه وتشريعاته ، وقد كثر القول مؤخرا عن دخول عدد كبير من الأوربيين والأمريكان إلى الإسلام عقب أحداث سبتمبر (2001) الغامضة ،التي اتهم المسلمون بتدبيرها ،حيث تهافت عدد كبير من أهل أوربا وأمريكا على شراء نسخ القرآن الكريم ومحاولة التعرف على ما فيه وكانت النتيجة إسلام بعضهم ، وتحجب نسائهم المسلمات ،مما أثار ذعرا وقلقا فى دوائر المتعصبين الصليبيين الظلاميين الذين مازالوا يعيشون بمنهج بطرس الحافى !!.
والمسيحية أبعد ما تكون عن الصليبية الاستعمارية ،ولقد اتخذ الاستعماريون الهمج من الصليب شارة وعلامة على المسيحية ،وهم يذبحون ويقتلون المسلمين والنصارى على السواء( الحملة الصليبية الثالثة توجهت إلى بيزنطة بدلا من القدس ،فأعملت فى أهلها النصارى قتلا وتشريدا ونهبا مما تقشعر له الأبدان).
وهو ما يكرره الصليبيون المعاصرون فى هيستريا لا تقل خطورة عن الهيستريا الصليبية القديمة ، حين يرون فى الحجاب تدل على تمدد الإسلام داخل المجتمع الصليبى الاستعمارى ،وهو ما يضعه الاستراتيجيون الغربيون تحت دائرة الضوء والتشريح لمعرفة مستقبله وتأثيره على المعادلة الاجتماعية والثقافية والسياسية فى الغرب ،كما يرى بعض الباحثين .إن الإسلام اليوم وهو حاضر المسلمين دائما فى الشارع الأوروبى يجعل الأوربيين يتساءلون دائما عن الإسلام ، وعن أولئك القوم الذين يتطهرون بالحجاب والعفة والنقاء ولا ينضوون تحت لواء الإباحية أو الإدمان أو الشذوذ ..وهذا ما تراه الحكومات الاستعمارية المتعصبة خطرا على وجودها فى المدى القريب أو البعيد .. ومهما يكن من أمر ،فإن الحملة المسعورة ضد الحجاب لن تزيد المسلمين إلا تمسكا بدينهم وحرصا عليه ودفاعا عنه وانتماء إليه ، والله غالب على أمره.