- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:آيات ظاهرها التعارض
يعرض أحيانا لقارئ كتاب الله الكريم بعض الآيات التي تدل بظاهرها على تعارض وعدم توافق مع آيات أخر؛ فيشكل الأمر على القارئ لكتاب الله -وخاصة إذا كان زاده من علم التفسير يسيرا- وربما أورث ذلك شكا في نفسه، فيقف حائرا في ذلك، ومتسائلا عن وجه التوفيق بين ما بدا له من تعارض.
والحادثة التالية تلقي مزيدا من الضوء على صورة هذه المشكلة.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما -وأصل الحديث في البخاري - أن رجلا جاءه، فقال: رأيت أشياء تختلف علي من القرآن، فقال ابن عباس: ما هو؟ أشك؟ قال: ليس بشك، ولكنه اختلاف، قال: هات ما اختلف عليك من ذلك، قال: أسمع الله يقول: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} (الأنعام:23) وقال: {ولا يكتمون الله حديثا} (النساء:42) فقد كتموا؛ وذكر له أشياء أخر اختلفت عليه؛ وقد أجاب ابن عباس رضي الله عن إشكالات السائل، ثم قال له: فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك، وإن الله لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب الذي أراد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فقد يبدو -للوهلة الأولى- أن ثمة تعارضا بين بعض آيات الكتاب الكريم، لكن إذا أمعنا النظر، وأعملنا البحث، بدا لنا وجه الحق في الأمر، وعلمنا أن آيات القرآن لا تعارض بينها البتة، وأن ما يبدو فيها من تعارض واختلاف، إنما هو تعارض واختلاف في أذهاننا فحسب، أما في حقيقة الأمر فليس هناك تعارض ولا اختلاف؛ إذ كيف يكون ذلك، ومصدر الكتاب واحد، وهو رب العالمين: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء:82) والآية الكريمة تدل بمفهومها، أن القرآن الكريم ما دام من عند الله فليس من المعقول عقلا، ولا من المقبول شرعا أن يكون فيه اختلاف أو تعارض؛ إذ إن مثل هذا الأمر مما يقبح في كلام البشر، فكيف يليق بكلام رب البشر.
وكشفا لحقائق الأمور، وإزالة لما يرى من تعارض واختلاف، فقد قام العلماء بوضع علم خاص، أدرجوه ضمن علوم القرآن، وأسموه علم (مشكل القرآن) على غرار ما فعل علماء الحديث، في التأليف في علم (مشكل الحديث) والغاية من هذا العلم إزالة ما يوهم التعارض والاختلاف بين آيات الكتاب العزيز.
وقد أفردت لهذا العلم كتب عديدة، نذكر منها على سبيل المثال: كتاب (الفوائد في مشكل القرآن) لابن عبد السلام المتوفى (660هـ) وهو كتاب قيم في بابه؛ ومن الكتب المهمة في هذا الجانب أيضا كتاب (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) للشيخ الشنقيطي (1393هـ) حيث جمع فيه جملة من الآيات الكريمة التي يفيد ظاهرها التعارض والاختلاف، ووفق بينها بما يزيل الإشكال؛ كذلك تعرض كثير من المفسرين لبعض مباحث هذا العلم، أثناء تفسيرهم لكتاب الله تعالى.
وانطلاقا من أهمية هذا العلم وغايته، فإننا في محور القرآن الكريم ستكون لنا وقفة مع بعض الآيات التي يفيد ظاهرها التعارض والاختلاف، نحاول فيها بيان أوجه التوفيق والجمع بينها، معتمدين في ذلك على أقوال أهل العلم في هذا الشأن؛ والله نسأل الرشد والصواب في الأمر كله.