الغلو مطية الشيطان

0 981

 


إن ظاهرة الغلو من المظاهر التي تصيب بعض الناس فيتجاوزون الحد، وهؤلاء قد يكون منهم من يريد الوصول إلى الأكمل لكنه ضل الطريق. ومن السنة المشاهدة في دنيا الناس أن أمثال هؤلاء ينقطعون كما قال الإمام ابن حجر رحمه الله : "لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب".وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".
وقد دفع الشيطان أمثال هؤلاء إلى طريق الغلو والتشدد حين علم منهم قوة إقدام وشجاعة فانحرف بهم عن طريق الجادة.
إن دين الله تعالى واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلو والجفاء، وقد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من الغلو فقال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بحال النفر الذين قال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. عندئذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا. ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني".
بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون". قالها ثلاثا.. أفلا يدل ذلك على خطورة الغلو والتشدد؟.

الأسلاف يحذرون من الغلو

ولقد علم السلف والعلماء رضي الله عنهم خطورة الغلو فحذروا منه. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله رجل عن معنى الأب في قوله تعالى: (وفاكهة وأبا)[عبس:31] فيقول له: "نهينا عن التعمق والتكلف".
وقال عبادة بن نسي - رضي الله عنه - لجماعة: "أدركت أقواما ما كانوا يشددون تشدديكم، ولا يسألون مسائلكم".
وقد كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب:
أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنتة، وكفوا مؤنته. فعليك بلزوم السنة؛ فإنها لك بإذن الله عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة، إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: "إنما حدث بعدهم" ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم.
كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير - بإذن الله - وقعت، ما أعلم ما أحدث الناس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، يتكلمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربهم، وتضعيفا لأنفسهم؛ أن يكون شيء لم يحط به علمه ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وأنه مع ذلك لفي محكم كتابه، منه اقتبسوه، ومنه تعلموه. ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا ؟ ولم قال كذا؟، لقد قرأوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقدر، وكتبت الشقاوة وما يقدر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا".[رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح الإسناد].

وجاء رجل إلى ابن عقيل رحمه الله فقال: أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشك: هل صح لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟
قال ابن عقيل: يا شيخ! اذهب فقد سقطت عنك الصلاة. قال الرجل: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق..."الحديث. ومن ينغمس في الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون.

من أنواع الغلو
وباستقراء وتأمل الأدلة الواردة في الغلو نجد أنه أنواع منها:
· الغلو في الدين عن طريق الاعتقادات الباطلة؛ كاعتقاد النصارى ألوهية المسيح، أو أنه ابن الله، وقول اليهود فيه: إنه ليس ابن رشدة. كما نجد هذا النوع في الفرق المنحرفة كالخوارج والرافضة والمرجئة.
· الغلو في العلم بتحريف الكلم عن مواضعه.
· الغلو في العبادة؛ بحيث يشدد على نفسه حتى يمل ويبغض العبادة نفسها فينتكس.
· الغلو في الأشخاص والجماعات برفعهم فوق أقدارهم أو عقد الولاء والبراء على أساس آراء الجماعة ومواقفها.

كيف نعرف الغلو؟
إذا كان الغلو بهذه الخطورة فهل لكل أحد أن يحكم على الأفراد والمجتمعات بأنها جاوزت الحد الذي وضعه الشرع؟
إن الحقيقة التي لا مراء فيها أنه لابد من الرجوع إلى أهل العلم المعتبرين للحكم على المعتقدات والأفعال بأنها من الغلو، وإلا فإن المفرطين والفاسقين والعلمانيين يعتبرون كل مظهر من مظاهر التدين نوعا من الغلو، فحجاب المرأة المسلمة عندهم نوع من الغلو، وإعفاء اللحية، والمطالبة بتحكيم الشريعة...

هل الغلو ظاهرة إسلامية؟
بمعنى: هل الغلو واقع فقط في المجتمعات الإسلامية؟
الحقيقة التي ينطق بها الواقع والتاريخ أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، فاليهود والنصارى عندهم من مظاهر الغلو الكثير.
والمجتمعات الحديثة أصيبت في بعض جوانبها بكثير من الغلو. والجماعات المختلفة في العالم - سواء كانت دينية أو قومية - تعاني من هذا الداء؛ فلا يصح أبدا أن ننساق وراء الآخرين في قصر هذا الاتهام على أبناء الإسلام، وتعظم المصيبة حين ينساق بعضنا وراء ما يردده الآخرون من أن تدريس الشريعة والمقررات الدينية في بلاد المسلمين هي التي أفرزت أنواعا من الغلو، برغم أن تاريخنا وواقعنا يشهد أن أعظم أسباب الغلو هو الجهل بأحكام الإسلام.. فهل من معتبر؟!!

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة