ذكر الموت..حياة القلوب

1 2008


إن ذكر الموت واحد من أنفع أدوية القلوب وأسباب حياتها وصلاحها؛ ولهذا المعنى العظيم كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أمته بالإكثار من ذكر الموت: "أكثروا ذكر هاذم اللذات".
وقد وعى السلف رضي الله عنهم وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم فجعلوا الموت أمام أعينهم، فقصرت آمالهم، وصلحت أعمالهم وقلوبهم.
انظر إلى الربيع بن خثيم رضي الله عنه وهو من هو صلاحا وعلما وزهدا يقول:[ لو غفل قلبي عن ذكر الموت ساعة واحدة لفسد قلبي.]
إن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الموت حتم لازم، لا تمنع منه حصانة القلاع، ولا ارتفاع الأسوار، ولا يحول دونه الحجاب، ولا ترده الأبواب. (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) [النساء:78].

الموت لا يستأذن

ولا يحتاج الموت إلى مقدمات ولا إلى استئذان، فإن الأمر لحظة، فقد يدخل النفس ولا يخرج، وقد يخرج ولا يدخل: (كل نفس ذائقة الموت) [آل عمران:185]. (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) [الأعراف:34].
وإن كل يوم يمر من حياتنا فإنه يقربنا من آجالنا ولقاء ربنا، فمن كانت الأيام والليالي مطاياه سارت به، وإن لم يسر!
نسير إلى الآجال في كل لحظة.. ... ..وأيامنا تطــوى وهـن مـراحــل
ولـــم أر مثـــل المـوت حقا كأنه.. ... ..إذا ما تخطتـه الأمــاني باطــل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا.. ... ..فكيف و الشيب للرأس شاعل
ترحل من الدنيا بـزاد من التقى.. ... ..فعمــرك أيــام وهــن قــلائـــل

لقد دخلت فاطمة رضي الله عنها على أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقالت: واكرباه.. فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا بنية! إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحدا...".

إخوتاه:

بعد قليل يمسك اللسان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، ويفارق الإخوان، وننقل إلى الأموات، وتصف علينا اللبنات، ألا فلنذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومنغص الشهوات، وقاطع الأمنيات، وميتم البنين والبنات، حري بالعبد أن يكثر من ذكر الموت، فإن ذلك يدفعه إلى الصالحات وترك المنكرات، حذرا مما هو مقبل عليه من أهوال الموت والسكرات. إن كثرة ذكر الموت ينبه العبد من غفلته، وهذا هو عين المطلوب:
تنبه قبل المــوت إن كنت تعقـــل.. ... ..فعمــا قــليــل للمقــابـــر تنقــــــل
وتمسي رهينا في القبور وتنثني.. ... ..لــدى جــدث تحت الثــرى تتجندل
فـــريدا وحيدا في التــــراب وإنما.. ... ..قرين الفتى في القبر ما كان يعمل
ومايفعل الجسم الوسيم إذا ثوى.. .... وصــار ضجيـــع القبر يعلــوه جندل
وبطن بــدا فيه الردى ثم لو تــرى.. ... ..دقيــق الثــرى في مقـــلة يتهرول
أعيناي جــودا بالدمــــوع عليكما.. ... .. فحزني على نفسي أحق وأجمل
أيــا مــدعي حبي هلــم بنــا إذا.. ... .. بكى الناس نبكي للفــراق ونهمل
دعي اللهو نفسي واذكري حفرة البلى.. ... ..وكيـــف بنا دود المقــابـــر يفــعــل
إلى الله أشكو لا إلى الناس حالتي.. ...إذا صرت في قبــري وحيـدا أململ

ليس يأسا من الحياة

إننا حين ندعو أنفسنا والناس من حولنا إلى الإكثار من ذكر الموت فليس ذلك بسبب اليأس من الحياة أو التشاؤم، لكنه التذكير بالكأس الذي لابد لكل منا أن يشربه وهو عنه غافل لاه.فإن الموت إذا نزل بساحة العبد نسي ما كان فيه من اللذة والنعيم: (أفرأيت إن متعناهم سنين . ثم جاءهم ما كانوا يوعدون . ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) (الشعراء: 205-207) قرأ بعض السلف هذه الآيات فبكى وقال: إذا جاء الموت لم يغن عن العبد ما كان فيه من اللذة والنعيم.

ولهذا وجدنا السلف يتواصون بالإكثار من ذكر الموت واستحضاره، مع أنهم فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وسادوا الدنيا بطاعة الله، وجاءهم الموت فكانوا أفرح بقدومه من الأم بقدوم ولدها الغائب.

فوجدنا منهم من يقول وهو على فراش الموت:
"واطرباه!! غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه".

وآخر يقول: "مرحبا بالموت؟ زائر مغب (قليل الزيارة) جاء على فاقة".

وآخر يقول: "اللهم إني إليك لمشتاق".

ولا عجب فإن العبد إذا كان على فراش الموت بشر إما بجنة وإما بنار،فإن العبد يموت على ما عاش عليه ، والخواتيم مواريث الأعمال.
نسأل الله حسن الخاتمة والفوز بالجنة والنجاة من النار.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة