- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:التناسب بين السور
متابعة للحديث عن التناسب بين سور القرآن الكريم، لنا وقفة في هذا المقال عند بعض وجوه التناسب بين سورة آل عمران وسورة النساء، فنقول:
أول وجوه التناسب بين السورتين الكريمتين، أن سورة آل عمران ختمت الأمر بالتقوى، في قوله تعالى: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} (آل عمران:200) وافتتحت سورة النساء بالأمر بها، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} (النساء:1) وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور. ومن هذا القبيل في كلام العرب، قول ليلى الأخيلية:
إذا نـزل الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائـها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة رواها
رواها فأرواها بشرب سجالها دماء رجال حيث نال حشاها
ومنها: أن سورة آل عمران ذكرت فيها قصة أحد مستوفاة، في حين ذكر في سورة النساء خاتمتها، وما نتج عنها، وهو قوله سبحانه: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} (النساء:88) فإنها نزلت لما اختلف الصحابة رضي الله عنهم فيمن رجع من المنافقين من غزوة أحد؛ ففي "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد، رجع ناس ممن كان معه، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، فقال بعضهم: نقتلهم؛ وقال بعضهم: لا. فنـزل قوله سبحانه: {فما لكم في المنافقين فئتين}.
ومنها: أنه لما ذكر سبحانه في سورة آل عمران قصة خلق عيسى عليه السلام، بلا أب، وأقيمت له الحجة بخلق آدم من غير آب ولا أم، وفي ذلك تبرئة لأمه مريم عليها السلام، خلافا لما زعمته اليهود؛ وتقريرا لعبوديته، خلافا لما أدعته النصارى؛ ذكر سبحانه في سورة النساء الرد على الفريقين معا، فرد على اليهود بقوله: {وقولهم على مريم بهتانا عظيما} (النساء:156) وعلى النصارى بقوله: {لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء:171) إلى قوله: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا الله} (النساء:172) .
ومنها: أنه سبحانه لما خاطب في سورة آل عمران عيسى عليه السلام بقوله: {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} (آل عمران:55) رد في سورة النساء على من زعم قتله، فقال سبحانه: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} (النساء:157-158).
ومنها: أنه سبحانه لما قال في سورة آل عمران في حق المتشابه من القرآن: {والراسخوان في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} (آل عمران:7) قال في سورة النساء مفصلا في صفة الراسخين في العلم: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما} (النساء:162) .
ومنها: أنه تعالى قال في سورة آل عمران: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا} (آل عمران:14) وقد فصل هذه الأشياء في سورة النساء على نسق ما وقعت في آية آل عمران؛ ليعلم ما أحل من ذلك فيقتصر عليه، وما حرم فلا يتعدى إليه؛ ففصل في هذه السورة أحكام النساء، ومن يباح نكاحهن، ومن يحرم منهن، ولم يحتج إلى تفصيل البنين؛ لأن الأولاد أمر لازم للإنسان، لا يترك منهم شيء، كما يترك من النساء، فليس فيهم محرم يحتاج إلى بيانه، ومع ذلك أشير إليهم في قوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا} (النساء:9).
ثم فصل في سورة المائدة أحكام السراق، وقطاع الطريق؛ لتعلقهم بالذهب والفضة الواقع ذكره في آية آل عمران بعد النساء والبنين، ووقع في سورة النساء إشارة إلى ذلك في قسمة المواريث.
كما فصل في سورة الأنعام أمر الأنعام والحرث، وهو بقية المذكور في آية آل عمران.
ومن وجوه المناسبات بين السورتين، أنه سبحانه فصل في سورة النساء ذكر البنين في أمر الميراث؛ لأنه لما أخبر بحب الناس لهم، وكان من ذلك إيثارهم على البنات في الميراث، وتخصيصهم به دونهن، تولى قسمة الميراث بنفسه، فقال تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين} (النساء:11) وقال أيضا: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا} (النساء:7) فجاءت الآية ردا على ما كانوا يصنعون، من تخصيص البنين بالميراث؛ لحبهم إياهم.
ثم إن من أمعن النظر في سورة النساء، وجد كثيرا مما ذكر فيها مفصلا لما ذكر في سورة آل عمران، وبذلك يظهر مزيد الارتباط، وغاية الاحتباك بين السورتين الكريميتن.