- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:أحوال القلوب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فإن حديثنا في هذه المقالة عن مقام من أعلى مقامات الدين، وخلة من أعظم خلال العارفين، إنه اليقين.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون، وعمل القوم إنما كان عليه وإشاراتهم كلها إليه، وإذا تزوج الصبر باليقين ولد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [السجدة:24].
وخص سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين: (وفي الأرض آيات للموقنين) [الذاريات:20].
وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين، فقال: (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) [البقرة:4، 5].
وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) [الجاثـية:32].
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصديقية، وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره".اهـ.
التوكل ثمرة اليقين:
و"التوكل ثمرته ونتيجته، ولهذا حسن اقتران الهدى به؛ قال تعالى: (فتوكل على الله إنك على الحق المبين) [النمل:79]. فالحق هو اليقين.
وقالت رسل الله: (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا) [إبراهيم:12]. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط، وهم وغم، فامتلأ محبة لله وخوفا منه، ورضا به وشكرا له، وتوكلا عليه، وإنابة إليه؛ فهو مادة جميع المقامات والحامل لها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل".[أخرجه أحمد في الزهد، وحسنه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم: "نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلك آخرها بالبخل والأمل". [رواه ابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني].
الرسول صلى الله عليه ويسلم يسأل ربه اليقين:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". [أخرجه الترمذي وحسنه الألباني].
رجحان العمل وحصول الرضا باليقين:
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم؟! ولمثقال ذرة من بر، من صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم، من أمثال الجبال عبادة من المغترين".[أخرجه أحمد].
وصح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الروح والفرج في اليقين والرضا، وإن الغم والحزن من الشك والسخط".
وكان عطاء الخراساني لا يقوم من مجلسه حتى يقول: "اللهم هب لنا يقينا بك حتى تهون علينا مصيبات الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتب علينا، ولا يأتينا من هذا الرزق إلا ما قسمت لنا به".
وقال بلال بن سعد: "عباد الرحمن، اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال، في دار زوال لدار مقام، ودار حزن ونصب لدار نعيم وخلد، ومن لم يعمل على اليقين فلا يغتر". أي أن الأفعال تدل على ضعف اليقين.
وقال رحمه الله: "كأنا قوم لا يعقلون، وكأنا قوم لا يوقنون".
وقال رحمه الله: "عباد الرحمن، أما ما وكلكم الله به فتضيعونه، وأما ما تكفل لكم به فتطلبونه، ما هكذا بعث الله عباده الموقنين، أذوو عقول في طلب الدنيا، وبله عما خلقتم له؟ فكا ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعة الله عز وجل، فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصي الله عز وجل".
واعلم - رعاك الله - أنه على قدر قربك من التقوى تدرك من اليقين، ولا يسكن اليقين قلبا فيه سكون إلى غير الله تعالى.
أمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين:
إن من يقلب صفحات التاريخ يجده يزخر بأمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين والثقة بالله، ومنها:
خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام كان خلقه اليقين:
فكل مواقفه عليه السلام تدل على ذلك، ففي محاجته لقومه كان خلقه اليقين: (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) [الأنعام:80-82].نعم ،كيف يخاف من عنده هذا اليقين؟!!.
ويتجلى يقينه وتوكله وثقته بربه حينما ألقوه في النار، وجاءه جبريل يقول: ألك حاجة؟ فيجيبه: أما إليك فلا، ثم يردد نشيده العلوي: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
إن كل موقف من مواقف الخليل ملؤه اليقين.. إلقاء طفله الرضيع وزوجه في البرية، همه بذبح ولده.. فصلوات ربي وسلامه عليه.
الرسول صلى الله عليه وسلم.. القمة في علو الهمة:
ومن كرسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما يشتد الكرب يبدو يقينه مثالا يحتذى، ولا كرب أشد من ساعة الهجرة: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) [التوبة:40]. حين يقول له الصديق: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، والرسول صلى الله عليه وسلم يهدئ من روعه: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟".
ثم انظر إلى يقينه بربه بعد أن جرى له ما يشيب لذكره الولدان في رحلته إلى الطائف، وهو يقول لملك الجبال الذي عرض عليه الانتقام من المشركين: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا".
صيحة عمير بن الحمام.. منارة من منارات اليقين:
فإنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض". قال: بخ بخ. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على قولك: بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال صلى الله عليه وسلم: "فإنك من أهلها". فأخرج تمرات كن في قرنه (جيبه) فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه؛ إنها لحياة طويلة. فرمى بما كان معه ثم قاتلهم حتى قتل".
ولله در القائل:
يــا أمتي وأقــول اليــوم فـي ثقــة.. ... ..إني اليقـين فلا شيء يزعزعـني
إني العـقـيـدة والإقـــدام فيـصلهـا.. ... ..وليـس غـير نــداء الله يسـحـرني
أذود عنه وفـيــها عـل خــاتـمـتي.. ... ..تكـون في ظلهــا يــوما فتقبـــلـني
فاللـــيل يعــقـبـه فـجـر ومـئـذنــة.. ... ..والله أكـبـر نبــراس علـى الـزمـن
الهول في خطوي والنورفي دربي.. . وأظل أسمع صوت الحق في أذني
رزقنا الله يقينا لا يتزحزح، وقرة عين لا تنفد... اللهم آمين.
للاستزادة:
( نضرة النعيم / جزء 8 )
( صلاح الأمة / جزء 5 )