- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:أحوال القلوب
تكلمنا في مقال سابق عن الخوف من الله تعالى، وفي هذا المقال نتكلم عن الرجاء؛ حيث إن المؤمن يسير إلى ربه على جناحي الخوف والرجاء. فبالخوف ينزجر العبد عن المعاصي والسيئات، وبالرجاء تتحرك الجوارح بالطاعات.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"الرجاء من أجل منازل السائرين وأعلاها وأشرفها، ... وقد مدح الله تعالى أهله وأثنى عليهم، فقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) [الأحزاب:21].
وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي" ... وهو عبودية وتعلق بالله من حيث اسمه: "المحسن البر"... فقوة الرجاء على حسب قوة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه. ولولا روح الرجاء لعطلت عبودية القلب والجوارح، وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا.. بل لولا روح الرجاء لما تحركت الجوارح بالطاعة، ولولا ريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات.ا.هـ.
قال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن بما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند ا لله من الرحمة ما قنط من جنته أحد".
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "إن أكبر آية في القرآن فرجا آية في سورة الغرف (الزمر): (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر:53].
ولما دخلوا على مالك بن أنس في العشية التي قبض فيها قال بعضهم: يا أبا عبد الله!كيف تجدك؟ قال: ما أدري ما أقول لكم، إلا أنكم ستعاينون غدا من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب.
فسبحان الله العظيم، لو يعلم المدبرون عنه كيف انتظاره لهم، ورحمته إياهم لتقطعت أوصالهم شوقا إليه، هذه إرادته في المدبرين عنه، فكيف بالمقبلين عليه؟!!
قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم.
ونظر الفضيل بن عياض إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال:
"أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا - سدس درهم - أكان يردهم؟ قالوا: لا. قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق".
وإني لأدعو الله أطلب عفـــــوه.. ... ..وأعلم أن اللـــــه يعفـو ويغفــــر
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها.. ... ..وإن عظمت في رحمة الله تصغر
وحري بالعبد أن يعظم رجاؤه بربه خاصة عند نزول الموت بساحته، فإن الله عز وجل يقول: "أنا عند ظن عبدي بي".
ولأجل هذا المعنى لما دخل واثلة بن الأسقع رضي الله عنه على يزيد بن الأسود وهو يحتضر، فقال واثلة:
"ألا تخبرني عن شيء أسألك عنه، كيف ظنك بالله؟ قال: اعترتني ذنوب لي أشفيت على هلكة، ولكن أرجو رحمة الله. فكبر واثلة وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء".
ولهذا المعنى أيضا قال سليمان التيمي حين حضرته الوفاة لابنه معتمر: يا معتمر، حدثني بالرخص؛ لعلي ألقى الله وأنا أحسن الظن به".
الرجاء يدفع إلى العمل:
المشاهد في دنيا الناس أن كثيرا من المفرطين في الطاعات المجترئين على فعل المعاصي والسيئات يزعمون ثقتهم برحمة الله وعفوه، وهذا ولا شك فهم قاصر لمعنى الرجاء يصدق على أصحابه ذم الإمام الحسن البصري رحمه الله حين قال:إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله ،وكذبوا فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
إن الله عز وجل هو الغفور الرحيم، لكن أرجو أن تنتبه معي أيها الحبيب إلى المعنى اللطيف الذي تضمنته هذه الآية التي يقول الله عز وجل فيها: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) (البقرة:218).
فانظر كيف أنهم يرجون رحمة الله وهم يعملون هذه الأعمال الصالحة العظيمة.فهيا أيها الحبيب لعمل الصالحات والتوبة مما سلف من المعاصي والسيئات ،وقد آن لنا قبل الختام أن نهتف كما هتف محمود الوراق رحمه الله:
حسن ظني بحسن عفـــوك يـا.. ... ..رب جميـــــل وأنت مالـك أمري
صنت سري عن القـــرابة والــ.. ... ..أهل جميعا وكنت موضع سري
ثقـــــة بالـذي لديـك من الستــر.. ... ..فـلا تخـــــزني يـــــــوم نشــري
يوم هتك الستور عن حجب الــ.. ... ..غــيب فلا تهتكن للنـاس ستـري
لقني حـجتي وإن لـم تكن يـــــا.. ... ..رب لـي حجة ولا وجـــه عـــــذر