الحياء..خلق الإسلام

14 4462

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد:                                                                                                                       

اعلم رحمك الله أنه على حسب حياة القلب يكون خلق الحياء، فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم..

حقيقة الحياء:

إن الحياء خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة.. وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في الحديث: "إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء". فالحياء دليل على الخير، وهو المخبر عن السلامة، والمجير من الذم.

قال وهب بن منبه: الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء.

وقيل أيضا: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

حياؤك فاحفظه عليك فإنما.. ... ..يدل على فضل الكريم حياؤه

إذا قل ماء الوجه قل حيـاؤه.. ... ..ولا خير في وجه إذا قل ماؤه

ونظرا لما للحياء من مزايا وفضائل؛ فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان، ففي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".

وفي الحديث أيضا: "الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".

والسر في كون الحياء من الإيمان: أن كلا منهما داع إلى الخير مقرب منه، صارف عن الشر مبعد عنه، وصدق القائل:

ورب قبيحة ما حال بيني.. ... ..وبين ركوبها إلا الحياء

وإذا رأيت في الناس جرأة وبذاءة وفحشا، فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

إذا لم تخـش عـاقبة الليـالي.. ... ..ولم تستح فاصنع ما تشاء

يعيش المرء ما استحيا بخير.. ... ..ويبقى العود ما بقي اللحاء

ليس من الحياء:

إن بعض الناس يمتنع عن بعض الخير، وعن قول الحق وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزعم الحياء، وهذا ولا شك فهم مغلوط لمعنى الحياء؛ فخير البشر محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياء، بل أشد حياء من العذراء في خدرها، ولم يمنعه حياؤه عن قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل والغضب لله إذا انتهكت محارمه.

كما لم يمنع الحياء من طلب العلم والسؤال عن مسائل الدين، كما رأينا أم سليم الأنصارية رضي الله عنها تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟

لم يمنعها الحياء من السؤال، ولم يمنع الحياء الرسول صلى الله عليه وسلم من البيان؛ فقال: "نعم، إذا رأت الماء".

 أنواع الحياء:

قسم بعضهم الحياء إلى أنواع، ومنها:

1-   الحياء من الله.

2-   الحياء من الملائكة.

3-   الحياء من الناس.

4-   الحياء من النفس.

أولا: الحياء من الله:

حين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرا في فريضة، أو مرتكبا لمعصية.. قال الله عز وجل: (ألم يعلم بأن الله يرى)[العلق:14]. وقال: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [ق:16].

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اطلاعه على أحوال عباده، وأنه رقيب عليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".

خلا رجل بامرأة فأرادها على الفاحشة، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟(تعني أين خالقها)

ولله در القائل:

وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة      والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل لها      إن الذي خلق الظلام يـراني

ثانيا: الحياء من الملائكة:

قال بعض الصحابة: إن معكم من لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم.

وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: (وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون) [الانفطار:10- 12].

قال ابن القيم رحمه الله:[ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟! ]

وكان أحدهم إذا خلا يقول: أهلا بملائكة ربي.. لا أعدمكم اليوم خيرا، خذوا على بركة الله.. ثم يذكر الله.

ثالثا: الحياء من الناس:

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.

وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه.

وقد نصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حكما على أفعال المرء وجعله ضابطا وميزانا، فقال: "ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت".

رابعا: الاستحياء من النفس:

من استحيا من الناس ولم يستح من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره، فحق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدا من نفسه كأنه يراه، ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة.

فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.

قال بعض السلف: من عمل في السر عملا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

إن الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهد الثناء، وموفر العقل، ومعظم القدر:

إني لأستر ما ذو العقــل ساتــــره.. ... ..من حاجة وأميت السر كتمانا

وحاجة دون أخرى قد سمحت بها.. ... ..جعلتها للتي أخفيت عنــــوانا

إني كأنــــي أرى من لا حيــــاء له.. ... ..ولا أمانة وسط القـــوم عريانا

رزقنا الله وإياكم كمال الحياء والخشية وختم لنا ولكم بخير..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة