الزواج من غير المسلمات.. مشكلات ومخاطر

1 1887

حذر بعض علماء الإسلام والاجتماع والتربية من ارتفاع معدلات زواج الشباب المسلم من أجنبيات غير مسلمات في عالمنا العربي والإسلامي وأكدوا أن لهذه الظاهرة تداعيات اجتماعية وتربوية ودينية خطيرة فهي تضاعف من حدة مشكلة العنوسة في بلادنا العربية

وتثمر أجيالا مسلمة ضعيفة الانتماء للدين والوطن واللغة وغير ذلك من المقومات الثقافية والخصائص الاجتماعية للمجتمع المسلم. كانت الدراسات والإحصاءات الحديثة قد أكدت زيادة إقبال الشباب المسلم على الزواج من أجنبيات وكشفت عن العديد من المشكلات الناتجة عن هذا الزواج.

ترجع الدكتورة نادية رضوان رئيسة قسم الاجتماع بجامعة قناة السويس لجوء الشباب المسلم إلى مثل هذه النوعية من الزواج لما حدث في المجتمع العربي والمسلم من اختلال في مفاهيم القيم والأخلاقيات والمبادئ حيث لم يعد الزواج كما كان في السابق يقوم على أسس واختيارات محكومة بالعادات والتقاليد الاجتماعية والقيم الدينية فأصبح المظهر والرغبة في الهجرة والحصول على الجنسية الأجنبية على رأس الأسباب التي تدفع الشاب للزواج من الأجنبية ليس هذا فحسب فهناك جانب آخر أفرزته سلبيات المغالاة في المهور والتعقيدات التي يواجهها الشاب عند إقدامه على الزواج من بنات وطنه ودينه مما يجعله يتجه نحو الزواج من الأجنبية التي لا يكون لديها قائمة تعقيدات كنظيرتها العربية المسلمة وهذا ليس وليد نشأتها وعادتها فقط بل لرغبتها في الحصول على الإقامة الدائمة في هذا البلد أو ذاك.

تضيف د. نادية رضوان: هذا الزواج تترتب عليه مشكلات اجتماعية كثيرة فضلا عن المشكلات الأسرية والعائلية في ما بين أهل العريس نفسه حيث تكون مساحة التفاهم والعلاقة الاجتماعية التي تربط هذه الزوجة الأجنبية بأسرة الزوج محدودة للغاية إن لم تكن مقطوعة نظرا لاختلاف العادات والتقاليد ثم عند إنجاب الأطفال لابد وانهم سيتطبعون بطباع أمهم “الأجنبية” ويخرجون أغرابا عن مجتمع أبيهم وأسرتهم فضلا عما تمثله مسألة المقارنة الدائمة سواء التي تعقدها “الأم الأجنبية” أو الأبناء ذاتهم فيما بين مجتمع الأب ومجتمع الأم في البلد الأجنبي الذي تنحدر منه مما يخلق لديهم نوعا من التمزق النفسي واضطراب الانتماء بكل أنواعه الوطني أو الاجتماعي أو النفسي أو غيره. والمشكلة أن هذا التمزق يظل ملازما لهم طوال حياتهم ولا يعرفون إلى أي المجتمعين ينتمون؟.

التشكيل النفسي

تتفق معها في الرأي الدكتورة مشيرة عبد الحميد اليوسفي أستاذة الصحة النفسية بجامعة الزقازيق مضيفة أن من ضمن الأسباب التي تجعل الشباب المسلم يلجأ لهذا النوع من الزواج هو ضعف وغياب ثقتهم في حضارتهم وثقافتهم نتيجة الجهل وعدم الوعي بجوهر هذه الحضارة العظيمة التي أضاءت بنورها ظلمات الجهل التي كانت تسود الغرب في العصور الوسطى فهؤلاء الشباب ينبهرون بما يرونه من تقدم حضاري وتكنولوجي للبلاد التي تنتمي إليها تلك الفتيات فضلا عن الحرية التي يعشنها في الملبس والعقلية مما يجذب الشباب إليهن خاصة في ظل الفراغ العقلي والفكري الذي يعيشونه نتيجة ابتعادهم أو إبعادهم قصرا عن جذورهم الحضارية والدينية.

تضيف د. مشيرة ولا شك أن التربية والبيئة المحيطة والعادات والتقاليد الاجتماعية كل ذلك يشكل نفسية الفرد وبالتالي ينعكس على تصرفاته وسلوكياته ومن ثم فإن كلا من الزوج الذي نشأ في بيئة أو مجتمع مختلف تماما عما نشأت فيه زوجته الأجنبية كل هذا ستظهر تأثيراته وسلبياته حينما تزاح الاحجبة وتزول الحواجز فيما بينهما بالزواج وتتضح الفوارق في الفكر والسلوك فتنشأ الخلافات الزوجية وان كان حرص كل فرد منهما على عدم إظهارها حتى ينال ويحقق غرضه من هذا الزواج القائم على المصلحة الذاتية لكل طرف.

وتحذر د. مشيرة من مثل هذا الزواج الذي يخلق أجيالا مضطربة نفسيا تعيش صراعا عنيفا بين ما تنتمي إليه الأم وما ينتمي إليه الأب من حضارة وعادات وقيم. ولذلك يجب توعية هؤلاء الشباب المقدم على الزواج من أجنبيات بتأثيراته السلبية سواء على الحياة الزوجية ذاتها أو على الأطفال ثمرة هذا الزواج مستقبلا في نفس الوقت يجب العمل على تأهيل من تزوج فعلا وتعريفه بالفوارق النفسية والاجتماعية والدينية حتى لا تحدث مشكلات تنعكس آثارها على المجتمع ككل وعلى أبناء هذا الزواج بصفة خاصة.

مصدر قلق

ونظرا لأن هذا الزواج تنتج عنه بعض المشكلات القضائية خاصة حول مسألة الحضانة أو قيام الزوجة بأخذ الأبناء وخطفهم والهروب بهم خارج البلاد كان لابد من استطلاع الرأي القانوني الذي يوضحه لنا الدكتور أنور رسلان عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة فأكد أن الزواج من أجنبيات حق دستوري كفله الدستور في معظم البلاد الإسلامية غير أن كل تجاربه قد باءت بالفشل، ويقع ضحاياه من الأطفال فريسة الضياع والتشرد، فالأمهات الأجنبيات يهربن بالأبناء خارج البلاد دون سابق إنذار، مع ملاحظة أن قرار المنع من السفر إجراء وقائي وحق للزوج مادام الطفل لم يبلغ سن الرشد بشرط أن يكون لدى الزوج الحجج والبراهين المنطقية والمستندات القوية التي تقنع المحكمة بأن قرار المنع من السفر في صالح الأبناء كما أن استخراج جواز سفر للابن أو وضعه على جواز سفر والدته لا يتم إلا بموافقة الزوج.

يضيف د. أنور رسلان: غير أن المشكلات التي تترتب على مثل هذا النوع من الزواج تجعلنا نحذر منه لأنه زواج محفوف بالمخاطر والمشكلات والقضايا التي تجعل من الزواج مصدر قلق واضطراب وتقاض في المحاكم وليس مصدر سكن ومودة ورحمة كما وصفه المولى عز وجل في كتابة الكريم بقوله “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”

مباح ولكن ...!

يشير الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق إلى أن الشرع الحنيف أجاز الزواج من الأجنبيات من أهل الكتاب أي اليهوديات والنصرانيات وإن كان هذا الزواج مشروطا بعدة شروط يجب الالتزام بها أولها أن تكون هذه المرأة من الملتزمات دينيا وخلقيا بحيث يأمن الرجل على بيته وعرضه وعلى أبنائه مستقبلا بألا يتعرضوا لما يفسد عليهم دينهم وتربيتهم.

ثم يجب على المسلم الراغب في الزواج من أجنبية أن ينظر إلى البلد الذي تنتمي إليه تلك المرأة حتى لا يتحول من حيث لا يدري إلى إنسان ضار بوطنه ومجتمعه خاصة في هذا العصر الذي يموج بالفتن والمؤامرات والمخططات الرامية للنيل من الدول الإسلامية وإضعافها وبث الجواسيس وتجنيد ضعاف النفوس والإيمان للإضرار بأمن بلادهم ومستقبل شعوبهم.

يضيف د. نصر فريد واصل: على المقبل على الزواج من أجنبية أن يتبصر وينظر نظرة بعيدة بعض الشيء لمستقبله ومستقبل أبنائه فإن كان الشرع قد أباح هذا النوع من الزواج ووضع الشروط إلا أن الفقهاء اختلفوا فيه ومن رفضه كان ينظر إلى المصلحة العامة ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه النظرة العامة لأن بنات المسلمين قد ازداد عدد “العانسات” منهن فضلا عن أن تربية الأبناء أصبحت صعبة للغاية وتتطلب وجود الأم بصفة دائمة معهم وبالتالي فإن كانت على غير دين الإسلام فلا نأمن أبدا مستقبلهم أو استقرار العقيدة في نفوسهم وقلوبهم.

كل هذا يجعلنا نفضل الزواج من المسلمات على الزواج من الأجنبيات خاصة أن زواج الأجنبيات ينتج عنه في الغالب الأعم مشكلات في الحضانة لأن الأجنبية مهما تحملت وتصنعت الرضا والتعايش مع المجتمع الجديد لزوجها إلا أن وقتا سيأتيها تتمرد على حياتها عندئذ ستكون الطامة والكارثة على مستقبل الأبناء الذين يتم تشريدهم بين أبوين متنافرين من أصحاب المحاكم والقضايا.

وينصح د. نصر فريد واصل كل مقبل على الزواج من أجنبية أن يفكر مائة مرة قبل إتمام الزواج في مستقبل أبنائه على أن يضع أمام ناظريه ضرورة التربية الدينية وتعليم أبنائه قيم الدين وتعاليمه ومبادئه وعادات وتقاليد مجتمعه المحافظ والذي بلا شك يختلف اختلافا جذريا مع المجتمعات الأخرى.

يلتقط خيط الحديث الداعية الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة قائلا: صحيح أن الشرع الحنيف لا يمنع الزواج من الكتابيات لكن ينبغي للرجل المسلم أن ينظر إلى ما يهدف اليه من هذا الزواج أليس هو تكوين اسرة مستقرة وانجاب ذرية صالحة متمسكة بدينها؟ اذن هل هذا المقصود من الزواج سيتحقق إذا تزوج الإنسان المسلم من امرأة أجنبية على غير دين الإسلام والواقع والمنطق يقول إن هذا من رابع المستحيلات فإذا كانت الزوجة المسلمة في كثير من الأحيان تفشل في تخريج أجيال من النشء متمسكة بدينها نظرا لقلة الوعي وغياب المفاهيم الدينية الصحيحة عن كثير من أبناء الأجيال المعاصرة فما بالنا بمن هي ليست على ديننا أصلا؟ لا شك أن الهوة ستكون أوسع والضياع سيكون اعمق واكثر فداحة بل ليس من المستبعد بل هو الأقرب وما يحدث فعلا أن يتم تغييب الطفل الناشئ وإبعاده تماما عن دينه لأن الأم هي المسؤول الأول والأساسي عن التربية والإعداد.

ويتساءل د. شاهين في حسرة أين ذهبت الأسس والتوجيهات النبوية الشريفة التي أمرنا فيها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالالتزام بها عند إقدامنا على الزواج أو عند اختيارنا وموافقتنا لتزويج إحدى بناتنا؟ إن الآيات القرآنية الكريمة تؤكد لنا أنه “لأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم” وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “تنكح المرأة لأربع لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك” واكثر من هذا قال أيضا “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.

وهذه الآيات والاحاديث موجهة للمرأة كما هي موجهة للرجل بضرورة اختيار الدين وتفضيل صاحبه على غيره من أصحاب وصاحبات الجمال والمال والجاه والسلطان لكن المشكلة أن اختياراتنا اختلفت عما يجب أن يقوم عليه الزواج وهذا هو سبب ما نعانيه اليوم من مشكلات اجتماعية واقتصادية فإذا كان الدين يأمرنا بتفضيل ذات الدين أي الأكثر تدينا وإيمانا فهل تدخل في هذا غير المسلمة؟

يجب أن نفيق والكلام لا يزال على لسان د. شاهين قبل أن تأخذنا الواقعة ونجد لدينا أجيالا من الشباب ينتمون لجنسيات ودول أخرى غير إسلامية وقد تكون معادية للإسلام فهناك مخططات خبيثة تسعى جاهدة لتجنيد أبنائنا كطابور خامس وجعل الأجيال الجديدة اكثر انتماء وولاء لتلك الدول التي تنتمي إليها الزوجة الأجنبية وكل هذا في إطار حملة العداء للإسلام والمسلمين.

فهل نفيق قبل أن نجد أنفسنا نربي أعداءنا بين أيدينا؟.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة