- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:الدعوة
كما أن الطاعات لها آثار طيبة ونافعة فإن المعاصي لها آثار سيئة ومؤلمة كذلك، فهي سبب حدوث الأضرار والشرور، ونزول العقوبات السماوية، وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } (الشورى:30)، وآثار المعاصي متعددة تشمل المصائب البدنية: كالأمراض، والعاهات، والحوادث السيئة، والموت، والفتن، وتسليط الأعداء، وتشمل العقوبات السماوية: كالقحط والجدب، وغور المياه، ويبس الأشجار، وقلة الثمار، أو فسادها، والغرق، والصواعق، والرجفة، والآفات السماوية، كعقوبة قوم هود بالريح العقيم، وقوم صالح بالصيحة الطاغية، وقوم نوح بالغرق، وفرعون وقومه بالغرق، ونحوهم.
ومن أخطر آثار الذنوب والمعاصي ما يتعلق بالقلوب مثل: قسوة القلوب، وعدم تأثرها بالمواعظ والآيات والأدلة والتخويف والتحذير والإنذار، فلا تسمع ولا تفقه ولا تقبل.
وقد ذكر الإمام "ابن القيم" - رحمه الله- عقوبات الذنوب في كتابه الجواب الكافي، وها نحن نقف عند بعضها سائلين الله أن يحفظنا وجميع المسلمين:
1- حرمان العلم النافع: فإن هذا العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئه، ولهذا كان السلف يرشدون تلاميذهم إلى ترك المعاصي؛ لكي يورثهم الله حقيقة العلم، ومن حرم العلم تخبط في دنياه، وسار على غير هدى مولاه.
2- الوحشة بين العبد وربه: وهي وحشة لو اجتمعت لصاحبها ملذات الدنيا كلها لم تذهبها، ومن علاماتها وفروعها: الوحشة بينه وبين أهل التقوى والإيمان.
3- الظلمة التي يجدها العاصي في قلبه: فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات.
قال ابن عباس : [[ إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق ]]
4- وهن القلب: فلا تزال المعاصي توهنه حتى تزيل حياته بالكلية، وهذا الوهن يظهر أثره على البدن، فتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم عند أحوج ما كانوا إليها، وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم.
5- تقصير العمر ومحق بركته: بمقدار ما تمرض القلب وتذهب حياته، فإن حقيقة الحياة هي حياة القلب وعمر الإنسان هو مدة حياته، فكلما كثرت الطاعة زادت حياته فزاد عمره الحقيقي، وكلما كثرت المعاصي أضاعت حياته وعمره.
6- أن العبد كلما عصى خفت عليه المعصية حتى يعتادها ويموت إنكار قلبه لها، فيفقد عمل القلب بالكلية، حتى يصبح من المجاهرين بها المفاخرين بارتكابها، وأقل ذلك أن يستصغرها في قلبه ويهون عليه إتيانها، حتى لا يبالي بذلك وهو باب الخطر.
روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار ) .
7- الذل: فالمعصية تورث الذل ولا بد، فالعز كل العز في طاعة الله تعالى، قال تعالى: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا (فاطر:10) أي: فيطلبها بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعته.
وكان من دعاء بعض السلف : اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك.
وقال عبد الله بن المبارك :
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبـار سوء ورهبـانها
8- الصدى والران والطبع والقفل والختم: وذلك أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت غلب عليه الصدأ حتى يصير رانا، كما قال تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (المطففين:14) ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس، فصار أعلاه أسفله؛ فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد، وبمثل هذا اتخذ الشيطان من البشر دعاة وجنودا.
9- إطفاء الغيرة من القلب: وهي الغيرة على محارم الله أن تنتهك، وعلى حدوده أو تقتحم، وعلى دينه أن يضعف أو يضيع، وعلى إخوانه المسلمين أن يهانوا أو يبادوا، بل على أهله ونفسه أن يقعوا في المعصية والهلاك، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الناس، كما ثبت في الصحيح: ( أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه والله أغير مني ) متفق عليه.
10- إذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه. والذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية، فلا يستحيي لا من الله ولا من العباد، والتلازم بين ارتكاب المحرمات وقلة الحياء لا يخفى على أحد.
11- إذهاب تعظيم الله ووقاره من القلب: فكما أن تعظيم الله وتوقيره يحجز عن المعصية، فإن ارتكاب المعصية يضعف التعظيم والتوقير - حتى يستخف العبد بربه ويستهين بأمره ولا يقدره حق قدره.
12- مرض القلب وإعاقته عن الترقي في مراتب الكمال ودرجاته -وقد سبق بيان تفاضل الناس في أعمال القلوب- فالذنوب تخرج صاحبها من دائرة اليقين وتنزله من درجة الإحسان، بل تخرجه من دائرة الإيمان، كما في الحديث الصحيح: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) متفق عليه، فلا يبقى له إلا اسم الإسلام وربما أخرجته منه؛ فإن المعاصي بريد الكفر.
13- إضعاف همة القلب وإرادته وتثبيطه عن الطاعة وتكسيله عنها، حتى يؤول به الأمر من الاستثقال إلى الكراهية والنفور، فلا ينشرح صدره لطاعة ولا يتحرج ويضيق من معصية ويصير جسورا مقداما على الخطايا جبانا رعديدا على الحسنات.
14- الخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه، فيخسف به -بسبب ارتكاب الرذائل- إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر، وعلامة ذلك الخسف أن يكون القلب جوالا حول السفليات والقاذورات، متعلقا بالمحقرات والأمور التافهة، عكس القلب الذي تزكى بالطاعات، فصار جوالا في معالي الأمور ومكارم الأخلاق، كما قال بعض السلف : [[ إن هذه القلوب جوالة، فمنها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحش أي: مكان قضاء الحاجة ]] .
15- مسخ القلب: فإن المعاصي والقبائح ما تزال تتكاثر عليه حتى تمسخه كما تمسخ الصورة، فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته، فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير، كقلب الديوث.
ومنها ما يمسخ على قلب كلب أو حمار أو حية أو عقرب...بحسب عمله، وقد شبه الله تعالى أهل الجهل والغي بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالأنعام تارة وربما وصل الأمر إلى المسخ التام؛ وهو مسخ الصورة مع القلب، كما حصل لبني إسرائيل حين جعل الله منهم القردة والخنازير.
16- نكد القلب وقلقه وضنكه: وهذا ملازم للمعصية ملازمة الظل لأصله، كما قال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } (طه:124) فالمعرض عن ذكر الله متعرض لذلك، لكن قد يتوارى داؤه بسكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة، إن لم ينضم إلى ذلك الخمر، كالمشاهد في عصرنا الحاضر من إدمان المسكرات والمخدرات، تخلصا من ضيق الحياة ونكد العيش.
فهذه بعض آثار معاصي الجوارح على القلب وعمله، فهي تذهب رضاه ويقينه وصدقه وإخلاصه وتوكله ومحبته، بل تذهب قوته وحياته وصحته وراحته وتجمع له بين ذهاب حقائق الإيمان وبين عقوبات آجلة وعاجلة كما رأينا في هذه الآثار.