- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
إن المروءة سجية جبلت عليها النفوس الزكية، وشيمة طبعت عليها الهمم العلية، وضعفت عنها الطباع الدنية، فلم تطق حمل أشراطها السنية. إنها حلية النفوس، وزينة الهمم، فما هي حقيقتها؟
حقيقة المروءة:
اعلم – وفقك الله لكل خير – أن حقيقة المروءة اتصاف النفس بصفات الكمال الإنساني التي فارق بها الحيوان البهيم، والشيطان الرجيم، إنها غلبة العقل للشهوة، وحد المروءة: استعمال ما يجمل العبد ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه، سواء تعلق ذلك به وحده، أو تعداه إلى غيره.
قال بعض السلف: خلق الله الملائكة عقولا بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن آدم وركب فيه العقل والشهوة، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم.
مروءة كل شيء بحسبه:
إذا علمنا أن المروءة هي استعمال كل خلق حسن، واجتناب كل خلق قبيح؛ فإن لكل عضو من الأعضاء مروءة على ما يليق به:
· فمروءة اللسان: حلاوته وطيبه ولينه.
· ومروة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض.
· ومروءة المال: بذله في المواقع المحمودة شرعا وعقلا وعرفا.
· ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه.
· ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره، وعدم رؤيته، وترك المنة به.
وهذه هي مروءة البذل والعطاء، أما مروءة الترك فتعني ترك الخصام والمعاتبة، والمماراة، والتغافل عن عثرات الناس.
دواعي المروءة:
إن أعظم دواعي المروءة شيئان:
أحدهما: علو الهمة. والثاني: شرف النفس.
أما علو الهمة: فلأنه باعث على التقدم والترقي في المكارم أنفة من خمول الضعة، واستنكارا لمكانة النقص، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها".
وقال عمر رضي الله عنه: "لا تصغرن هممكم؛ فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمة".
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
وأما شرف النفس: فبه يكون قبول التأديب، واستقرار التقويم؛ فإن النفس إذا شرفت كانت للآداب طالبة، وفي الفضائل راغبة، وعن الدنايا والرذائل نائية، قال بعض الشعراء:
إذا أنت لم تعـرف لنفسك حقها.. ... ..هوانا بها كانت على النـاس أهـونا
فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكن.. ... ..عليـك لها فاطلب لنفسك مسكنا
وإيــــاك والسكنى بمنـزل ذلـــة.. ... ..يعد مسيئا فيـه من كـان محسنا
وقال الحصين بن المنذر الرقاشي:
إن المروءة ليس يدركها امرؤ.. ... ..ورث المكـارم عن أب فأضاعها
أمرته نفس بالـدناءة والخنا.. ... ..ونهته عن سبل العـلا فأطاعهـا
فإذا أصاب من المكارم خلة.. ... ..يبني الكريم بهـا المكــارم باعها
شروط المروءة وحقوقها:
ذكر بعضهم للمروءة حقوقا وشروطا، وهي تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: شروط المروءة في النفس. والثاني: شروط المروءة في الغير.
أما شروط المروءة في النفس: فهي:
(1) العفة: وهي نوعان:
· عفة عن المحارم: وتكون بكف الفرج عن الحرام، وكف اللسان عن الأعراض.
· وعفة عن المآثم.
(2) النزاهة: وتعني النزاهة عن المطامع الدنيوية، ومواقف الريبة والتهمة.
أما حسم المطامع الدنيوية فيكون باليأس مما في أيدي الناس، والقناعة بما قسم الله تعالى.
وأما النزاهة عن مواقف الريبة: فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو أبعد الخلق عن الريب – أسوة حسنة؛وقف ذات ليلة يحادث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها على باب المسجد، فمر به رجلان من الأنصار، فلما رأياه أسرعا، فقال لهما: "على رسلكما، إنها صفية"، فقالا: أوفيك شك يا رسول الله؟ قال: "إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلبيكما سوءا". فحري بغيره أن يستعمل الحزم ويغلب الحذر، ويترك مواقف الريب، ومظان التهم.
(3)الصيانة: وهي نوعان:
· صيانة النفس بالتماس ما يكفيها.
· صيانتها عن تحمل المنن من الخلق.
شروط المروءة في الغير:
أما شروط المروءة في الغير فثلاثة:
(1) المعاونة والمؤازرة: وهي تعني: الإسعاف بالجاه، والإسعاف في النوائب.
وقد قيل: لم يسد من احتاج أهله إلى غيره. وقال الأحنف عن المروءة: صدق اللسان، ومواساة الإخوان.
(2) المياسرة: وهي السماحة والسهولة وهي على نوعين: العفو عن الهفوات، والمسامحة في الحقوق.
أما العفو عن الزلات والهفوات: فلأنه لا مبرأ من سهو أو زلل، وقد قال الحكماء: لا صديق لمن أراد صديقا لا عيب فيه.
وقال بعض الأدباء: ثلاث خصال لا تجتمع إلا في كريم: حسن المحضر، واحتمال الزلة، وقلة الملال.
وقال ابن الرومي:
فعذرك مبسـوط لذنب مقدم.. ... ..وودك مقبــول بأهل ومرحب
ولو بلغتـني عنك أذني أقمتها.. ... ..لدي مقام الكاشح المتكــذب
فلست بتقليب اللسان مصارما.. ... .. خليـلا إذا ما القلب لم يتقلب
وأما المسامحة في الحقوق والأموال: فتتنوع إلى إسقاط الحق أو تخفيفه.
(3) الإفضال: فذو المروءة يجود بماله، فهو إما يجود بماله على من أدى إليه معروفا ولو كان يسيرا، كما جاد الشافعي رحمه الله على غلام ناوله سوطه حين سقط منه فأعطاه سبعة دنانير، وقد يجود لتأليف قلب، أو صيانة عرض من الحساد والحاقدين والسفهاء.
قالوا عن المروءة:
· قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: "للسفر مروءة، وللحضر مروءة، فأمام مروءة السفر: فبذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله. وأما المروءة في الحضر: فالإدمان إلى المساجد، وتلاوة القرآن، وكثرة الإخوان في الله عز وجل.
· وسئل سفيان الثوري عن المروءة: ما هي؟ قال: "الإنصاف من نفسك والتفضل؛ قال الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل) وهو الإنصاف، (والإحسان) وهو التفضل، ولا يتم الأمر إلا بهما؛ ألا تراه لو أعطى جمع ما يملك ولم ينصف من نفسه، لم تكن له مروءة؟! لأنه لا يريد أن يعطي شيئا إلا أن يأخذ من صاحبه مثله، وليس مع هذا مروءة".
· وقيل لسفيان بن عيينة: قد استنبطت من القرآن كل شيء، فأين المروءة فيه؟ فقال: في قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)[الأعراف:199]. ففيه المروءة، وحسن الأدب، ومكارم الأخلاق، فجمع في قوله: (خذ العفو) صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله: (وأمر بالعرف): صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار. ودخل في قوله: (وأعرض عن الجاهلين): الحض على التخلق بالحلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة والأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة، والأفعال الرشيدة.
· وقال الشعبي: "تعامل الناس بالدين زمانا طويلا، حتى ذهب الدين، ثم تعاشروا بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعاشروا بالحياء، ثم تعاشروا بالرغبة والرهبة، وأظنه سيأتي بعد ذلك ما هو شر منه".
· وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين: "كمال المروءة: الفقه في الدين، والصبر على النوائب، وحسن تدبير المعيشة".
· وقال ميمون بن ميمون: "أول المروءة: طلاقة الوجه، والثاني: التودد، والثالث: قضاء الحوائج".
· وقال ابن سلام: "حد المروءة: رعي مساعي البر، ودفع دواعي الضر، والطهارة من جميع الأدناس، والتخلص من عوارض الالتباس، حتى لا يتعلق بحاملها لوم، ولا يلحق به ذم، وما من شيء يحمل على صلاح الدين والدنيا، ويبعث على شرف الممات والمحيا، إلا وهو داخل داخل تحت المروءة.