- اسم الكاتب:وائل الهوريني
- التصنيف:صحة الأسرة
إن الله جل شأنه قد خلق الإنسان في أحسن هيئة وأجمل صورة كما بينه بقوله: (خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير)[التغابن:3]، وقوله: (الذي خلقك فسواك فعدلك) (الانفطار:7]، وهو سبحانه جعل كل ما في هذا الكون ملائما لطبيعة الإنسان موافقا لتركيبته التي ركب عليها، قادرا على تلبية حاجته التي تتنوع وتتشكل بحسب الزمان والمكان.
إذا هو يعيش في بيئة ومناخ ملائمين له، كما أخبر عن ذلك رب العزة في آيات متفرقة فقال: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)[لقمان: من الآية20].
ومن أهم مقومات هذه الحياة: الغذاء الذي يحيا به الإنسان وينتفع منه بأوجه متعددة، فهو مصدر لطاقة الجسم ونموه، وهو أيضا مكافح لما يعتري الجسد من أمراض توهن الجسم وتضعفه، كما ثبت بطريق الطب ومن خلال التجارب على مر الزمن لبعض هذه الأطعمة خصائص تزيد في الزينة والجمال، وتساعد على إزالة ما يعرض للجسم من عيوب تذهب من هذه الزينة أو تخفيها.
وهذه الأغذية تدخل في صناعة الجمال من بابين:
الأول: أن تكون متخذة في الأساس للعلاج والاستشفاء، لكن صاحبه ونشأ عنه استعمالات حسنة في إزالة بعض العيوب.
ومن أمثلة هذا الباب:
· استخدام العسل لإزالة الكلف والنمش الذي يعلو الوجه.
· استعمال الحبة السوداء للعلاج من مرض الثعلبة والبرص.
· استعمال الليمون في إزالة البقع المحيطة بالعيينين وأجزاء من الوجه
وهذا الباب لا مرية في حله مادام في الحدود التي أباحتها الشريعة، إذ أن استخدامها في الحقيقة لا يعدو أن يكون علاجا واستشفاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تتداووا بحرام".[رواه أبو داود].
الثاني: أن يكون استعمالها بهدف التجمل فقط دون أن يتعلق هذا الاستعمال بشيء آخر. ومن أمثلة ذلك:
· استخدام الخيار لإزالة خشونة الجلد وتجاعيده.
· استعمال البقدونس المساعد على صفاء البشرة وبهاء الوجه.
· تنشيط الجلد وفتح مساماته عن طريق فاكهة الفراولة.
وهذا الباب داخل في عموم المنافع التي أباحها الله عز وجل، كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة للإفتاء، ومما يبين ذلك:
أولا: أن الله تعالى شأنه قد خلق لنا كل ما في هذه الأرض، وجعله مسخرا لنا بكافة أشكال التسخير، إما منفعة ضرورية أو حاجية، أو تكميلية، وإما متعة يستجم بها الإنسان ويجدد بها نشاطه وقوته على خيري الدنيا والآخرة.
ولا ريب في أن استعمال هذه الأطعمة المباحة في التجمل وطلب الزينة منفعة من جملة هذه المنافع التي خلقها الله لنا؛ كما قال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم)[البقرة:29]، وقال تعالى: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم)[الحج:65].
والمتأمل في هذه الآيات يرى أن هذا الخلق أو التسخير لم ينحصر في وجه أو خلق من المخلوقات، بل هو عام وشامل لكل ما ينتفع به كما دل على هذا المعنى كلمة (لكم).
ثانيا: أن الزينة والتجميل غريزة من غرائز التكوين الإنساني وفطرة فطر عليها بنو آدم، فهي حاجة من حاجاته التي ينشدها، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر". فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال". [رواه مسلم].
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من التطيب ويحبه، ولا يرده، بل كانت له مثل القارورة يتطيب منها ويقول: "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء و جعلت قرة عيني في الصلاة "[رواه أحمد].
وكانت له مكحلة يكتحل منها، وكان يرجل رأسه ولحيته (أي يمشطهما)، ويدهنهما بالزيت ، وله ثياب قد رصدها لمقابلة من يفد عليه من الوجهاء ورؤساء القبائل، وهي أيضا مطلب شرعي أراده الشارع وارتضاه بالحدود التي رسمها، كما قال تعالى: (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها)[النحل:14].
بل أنكر سبحانه على من حرم شيئا منها بلا حجة ولا برهان ؛ كما قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)[الأعراف:32].
ولكن لابد من التنبيه إلى عدة أمور:
· أن استعمالها لابد أن يكون بقدر الحاجة التي تحقق المراد، فلا يسرف في استخدامها إسرافا نهى الله عنه.
· الاستغناء عنها إلى ما سواها من أدوات الزينة، إذ إنها أحرى وأبعد عن حال المترفين و هي في الأصل لم توضع أداة للتجمل.
التزين والتجمل:
للشريعة في تقرير هذا المطلب أدلة كثيرة متنوعة منها:
· الإرشاد إلى العناية بالجسم ونظافته التي تعد مظهرا من مظاهر الزينة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط".[رواه مسلم].
· أنه نهى الرجل إذا قدم مسافرا أن يفاجئ أهل بيته ليلا دون علمهم، وذلك لئلا يراهم على هيئة غير حسنة، وقال: "حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة"[رواه مسلم].
· أنه حث عليها وجعلها سببا في نيل المغفرة في مواطن معينة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى"[رواه البخاري].
ثالثا: أن الأصل في الزينة والتجمل الحل والإباحة، إلا ما قام الدليل الشرعي على المنع من استعماله، كالنجاسات والكحول التي تدخل في صناعة العطور بنسب عالية، أو لبس الحرير والذهب للرجل، أو استخدام المرأة للطيب في وقت تمر فيه بالرجال.
( مجلة الأسرة عدد 142 )