- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:الإعلام
نادرا ما يحصل الجمهور الغربي، وخاصة الجمهور الأمريكي، من مسؤوليه أو من وسائل إعلامه على تفسيرات متعمقة وخارج الصور النمطية السطحية للأحداث العنيفة. إن أحداث 11 أيلول/سبتمبر وما نتج عنها مما يسمى الحرب على الإرهاب، قد استحدثت مصطلحا أمريكيا جديدا يصف ما تقدمه وسائل الإعلام حاليا، وهذا المصطلح هو "Militiamen" الذي يشكل مزيجا من كلمتي "Military" (العسكري) و"Entertainment" (التسلية) للإشارة إلى واقع ما يجري تقديمه إلى الجمهور الغربي، خصوصا إلى جمهور شاشات التلفيزيون.
إن فشل الإعلام في التعامل مع الإرهاب يتمثل في عجزه عن تزويد قرائه ومشاهديه بصورة واضحة وخلفية دقيقة للأحداث، مما يؤدي إلى تفسيرات متضاربة تختلط فيها التغطية الصحفية بالحملات الدعائية. وإن أغلب ما يحصل عليه الجمهور الغربي هو على شاكلة التصريح الذي تفوه به وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد في مؤتمر صحفي في البنتاجون بأن "إسرائيل قد كسبت الحرب، وبالتالي يحق لها أن تقيم مستوطنات على ما يسمى (الأرض المحتلة)".
إن التشديد على استعمال تعبير 11 أيلول/سبتمبر أو (9/11) بدلا من "الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاجون" هو نوع من اللعب بالصورة أو الوصف الذي تتقنه أمريكا. فاستعمال اللفظة الأوائلية أو الكلمات المركبة (Acronym) هو من التقاليد الأمريكية في التعبير. وتكمن الأهمية هنا في نقل التصور للحدث، فبدلا من تصور انهيار رمزي الجبروت الاقتصادي والعسكري الأمريكيين، يتحول المرء إلى يوم معين ربطه الإعلام الأمريكي بهجوم غادر أدى إلى آلاف القتلى الذين تشدد وسائل الإعلام الأمريكية على نشر أسمائهم وعرض الصور المأساوية التي نتجت من موتهم. حتى مكان الحدث أصبح "ساحة الصفر" (Zero Ground) ولم يعد "ساحة مركز التجارة العالمي".
الدراسات تتكلم
أظهرت دراسة قامت بها، في أيار/مايو الماضي، جماعة وسائل الإعلام في جامعة غلاسكو البريطانية أن افتقار الجمهور إلى تفهم أزمة الشرق الأوسط يتفاقم بتغطية وسائل الإعلام لهذه الأزمة. فنادرا ما يقال للمشاهدين إن الفلسطينيين هم ضحايا احتلال عسكري. وكذلك نادرا ما يقدم تفسير للمشاهد عن معنى تعبير "الأراضي المحتلة".
وأظهرت الدراسة أن 9% فقط من الشباب الذين تم استبيانهم يعلمون أن الإسرائيليين هم محتلون، وكذلك "مستوطنون" غير شرعيين.
وتشير الدراسة إلى أن الاختيار الانتقائي للغة واضح، فعند ذكر الموتى الإسرائيليين تستعمل على وجه الحصر تقريبا التعابير: "جريمة"، "وحشية"، "إرهاب". ويقول البروفسور جورج فيلو، المشرف على الدراسة، إن فريقه لم يجد في أي تقرير صحفي ما يشير إلى أن "هجوم الفلسطينيين هو رد على اغتيال المقاومين للاحتلال الإسرائيلي".
وهذا ما حمل بعض الأصوات الجريئة هناك لمخالفة التيار الغالب وإن بصوت خافت: ففي مقالة في جريدة نيويورك تايمز في أيلول/ سبتمبر 2002م بعنوان "مواجهة التظلمات ضد أمريكا" يقول زيبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق كارتر: "ما تفتقده معظم المناظرات العامة هو نقاش الحقيقة البسيطة بأن وراء كل عمل إرهابي تكمن سابقة أو خلفية سياسية... الحقيقة هي أن كل نشاط إرهابي تقريبا منشأه نزاع سياسي، وهو أيضا سبب استمرار هذا النشاط الإرهابي... إن للتاريخ السياسي للشرق الأوسط علاقة بكره "إرهابيي" هذه المنطقة لأمريكا. إذا كانت لا توجد أعذار لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، فهناك أسباب لها تكمن في السياسة الخارجية الأمريكية".
ويقول رامسي كلارك، وزير العدل الأمريكي الأسبق، في رسالة بعث بها إلى أمين عام الأمم المتحدة في 20 أيلول/سبتمبر 2002م: "إن جورج بوش في حربه على الإرهاب يدعي أن الضرورة تجبره على مواجهة خطر الإرهاب باعتماد ضربات مسبقة ضد أي عمل إرهابي محتمل واعتقال الأفراد اعتباطيا وتوقيفهم. إن في هذا تعديا غير مسبوق على ميثاق الأمم المتحدة وعلى القانون، وكذلك على السلم. ويضيف أن أي قرار للأمم المتحدة أو أمريكا بالاعتداء على أعداء أمريكا هو عمل إجرامي ويؤدي إلى زيادة الحقد والإرهاب ويقود إلى الحرب.
ويعلق كلارك على قول جورج بوش إن العراق غزا بلدين خلال السنوات الاثنتين والعشرين الماضية، فيقول: "إن أمريكا في هذه المدة نفسها غزت أو اعتدت مباشرة على غرانادا، ونيكاراغوا، وليبيا، وبنما، وهاييتي، والصومال، والسودان، والعراق، ويوغوسلافيا، وأفغانستان، وساعدت عمليات غزو لأقطار عديدة في جميع أنحاء العالم".
وتقول "آن ماري سلوتر" أستاذة القانون الدولي في جامعة هارفرد ورئيسة الجمعية الأمريكية للقانون الدولي، في مقالة نشرتها في النيويورك تايمز: "... إن أمريكا تحيد عن الممارسات الدستورية، وعليها أن تحاكم المتهمين بالإرهاب أمام محكمة دولية".
أما المفكر اليساري إيمانويل والرشتاين، فيقول في مقالة في مجلة فورين بوليسي الرصينة: "تفسيرات المتشددين (في الإدارة الأمريكية) خاطئة وستسهم فقط في انحدار الولايات المتحدة وتحويل هبوطها التدريجي إلى سقوط مدو أسرع بكثير... إن الولايات المتحدة تبدد من الصدقية (التي اكتسبتها في السنوات المائتين الأخيرة) بسرعة تفوق تبديدها لمخزونها من فائض الذهب لديها في عقد الستينيات من القرن الماضي".
توجهات جديدة
بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، غدت الموضوعية والتوازن في التقارير الإخبارية عملا سيئا، وبدأ قادة المؤسسات الصحفية في أمريكا يطالبون الصحفي بأن يقدم تقييمه للأحداث من خلال الخبر، فلا يكتفي بعرض وقائع الأحداث بصورة حيادية، كما تفترض ذلك المبادئ الصحفية التي تدرسها المعاهد الغربية.
إن القفزة الهائلة لوسائل الإعلام في العقود القليلة الماضية نحو استعمال تقينات الاتصال الحديثة قد أدت إلى تغييرات بنيوية كثيرة في مؤسسات هذه الوسائل، إلا أن هذا التغيير، للأسف،لم يصاحبه تغيير أخلاقي، خاصة عند الغني والقوي، وبالتالي فإن "الحداثة" وما يسمى بـ"التقدم" في مجال الاتصال كانا على حساب القيم، وهكذا نرى أن القيم المادية للغني والقوي تسود في عمل وسائل الإعلام. ومن هنا نرى اهتماما قليلا بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية لوسائل الإعلام.
إن التغيير المطلوب في النظام العالمي الإعلامي الحالي هو الذي يمكن أن يعطي الدعم الأخلاقي اللازم للممارسة الإعلامية المسؤولة، وقد أثبتت أمريكا والغرب عموما، أنها غير مؤهلة لأن تكون قدوة في هذا المجال.
ونود أن نختم البحث بنظرة متفائلة فنقول إنه على الرغم من هيمنة أمريكا ووسائلها الإعلامية واستخدامها لتقينات الإعلام الحديثة، فإني أجزم بأنه من المستحيل أن تتمكن وكالات الأنباء العالمية أو حتى الدول أو المؤسسات الكبرى المؤثرة في انسياب المعلومات، من تقرير جدول الأحداث العالمية التي تغطيها صحافة أية دولة. صحيح أن وكالات الأنباء العالمية الكبرى مازالت تتحكم في مجال انسياب الأخبار وفي تقديم تفسيرها المتحيز للأحداث، وصحيح أنه يمكن لهذه الوكالات أو الدول أن تؤثر في تغطية أحداث تقع خارج نطاق المنطقة الجغرافية للصحف المحلية وخارج اهتمامها الثقافي، غير أن إمكانية استطاعتها توحيد قبول العالم برؤيتها بعيد الاحتمال، لأن وسائل الإعلام ستستمر في اختيار ما تنشره أو تبثه وفي تحرير ما تستلمه من وكالات الأنباء بشكل يتناسب مع مفهومها وعقيدتها. ومن هنا فإن تعبير "الإرهابي" في خبر من وكالة أنباء عالمية لابد من أن يصبح "فدائيا" أو "مناضلا" أو "مقاوما" في الخبر المنشور أو المذاع محليا.
ونعود فنقول: إن العلة الأساسية في نظام الإعلام العالمي الحالي هي أخلاقية قبل أن تصبح بنيوية. فمهما كانت البنية متينة فإنها ستنهار إذا فسدت الأخلاق.