التناصر بين المؤمنين

0 1836

جاء الإسلام والناس متفرقون شيعا وأحزابا وقبائل، فجمع الله به الناس، وألف به بين قلوبهم: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) (آل عمران: من الآية103).

وقد ربى الإسلام أبناءه على استشعار أنهم أفراد في مجموعة وأنهم أجزاء من هذه الجماعة الكبيرة، فالمسلم بشعوره أنه جزء من الجماعة يحب للأجزاء الأخرى مثل ما يحب لنفسه.

إن انتماء المسلم للجماعة يترتب عليه حقوق وواجبات، ومن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين.

أهمية التناصر في حياة الأمة:

للتناصر أهمية عظمى في حياة الأمة، وبدونه يصبح المجتمع الإسلامي مكشوفا أمام أعدائه معرضا للهزيمة وعلى العكس من ذلك؛ فإن التزام أبناء المجتمع بنصر الله من ناحية ونصرة بعضهم البعض من ناحية أخرى يؤدي حتما إلى فوز المسلمين بكل خير، وظهورهم على عدوهم تحقيقا لوعد الله عز وجل: (ولينصرن الله من ينصره) [الحـج:40].

أما نصر المسلم ربه عز وجل فيكون بالعمل بطاعته وحفظ حدوده والبعد عن معاصيه.

وأما نصر المسلم لأخيه المسلم فيكون بتقديم العون له متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلوما، وردعه عن الظلم إن كان ظالما تحقيقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إن كان مظلوما، أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره". [رواه البخاري].

معنى جديد للنصرة:

إننا نلمس من الحديث السابق أنه قد أضاف معنى جديدا للنصرة، وهو نصرة الأخ الظالم، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن نصرة الظالم تكون بحجزه عن الظلم ومنعه منه، وهذا هو النصر الحقيقي له، لا معونته على ظلمه؛ لأن حجزه عن الظلم ومنعه منه نصر له على نفسه الأمارة بالسوء، وأهوائها الجانحة عن سبيل الحق.

وهو نصر له على وساوس شياطين الإنس والجن وتسويلاتهم، وفي هذا إنقاذ له من عقاب الله وعذابه، وإنقاذ له من الوقوع في شباك الجريمة وخساستها، وحماية له من دنس الإثم والعدوان.

لا للعصبية الجاهلية:

لقد كان المفهوم السائد للنصرة في الجاهلية هو التناصر القبلي أو العائلي بالحق وبالباطل، فمتى ثارت الخلافات بين فردين تولت كل قبيلة نصرة من ينتمي إليها ولو كان ظالما معتديا. لكن لما جاء الإسلام ألغى هذا المفهوم العصبي الذي يتنافى مع أوليات الأسس التي تقوم عليها مكارم الأخلاق، وأحل محله المفهوم الأخلاقي الكريم الذي يتمثل في نصرة المظلوم على الظالم ولو كان المظلوم بعيدا وكان الظالم من ذوي القربى.

  هذا المفهوم السامي للتناصر في الإسلام نجده في نصوص كثيرة، منها قوله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) [الأنعام:152]. وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) [المائدة:8]. وغيرها من آيات الكتاب العزيز.

وكان مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته نصر المظلوم بغض النظر عن لونه وجنسه، قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم..." .الحديث [رواه البخاري ومسلم].

وأوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رابطة الأخوة هي التي تجمع بين المسلم وغيره من المسلمين، وأن من لوازمها التناصر: "كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران.." (أي ينصر كل منهما الآخر). [رواه النسائي وابن حبان وحسنه الألباني].

ويشحذ همم المسلمين ويحثهم على نصرة المظلوم مبينا أن الجزاء سيكون من جنس العمل: "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". [رواه أحمد وحسنه الألباني].

الرسول صلى الله عليه وسلم ينصر المظلوم:

كان من شروط صلح الحديبية أن من أراد أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش فليدخل، فدخلت بنو بكر في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بين بني بكر وخزاعة حروب في الجاهلية، فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية (من بني بكر) ومعه جماعة من قومه فأتوا خزاعة ليلا فأصابوا رجلا من خزاعة يقال له منبه، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا، وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا، فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال:

يا رب إني ناشـد محمــدا.. ... ..حلف أبينـا وأبيه الأتلـدا

فانصر هداك الله نصرا أيـدا.. ... ..وادع عبـاد الله يأتوا مددا

إن قريشا أخلفـوك الموعـدا.. ... ..ونقضوا ميثـاقك المؤكدا

هم بيتـونا بالوتـير هجـدا.. ... ..وقتلـونا ركعـا وسجدا

وزعموا أن لست أدعو أحدا.. ... ..وهم أذل وأقــل عـددا

قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم". فكان ذلك ما هاج فتح مكة.[فتح الباري 7/592].

الصالحون يتواصون بنصرة المظلوم:

لما ضرب ابن ملجم – لعنه الله – علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل بيته فدعا الحسن والحسين رضي الله عنهما فكان من وصيته لهما: وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا.

ودخل أبو بكر الطرطوشي – رحمه الله على الأفضل بن أمير الجيوش وهو أمير على مصر فوعظه ونصحه ومن ذلك أنه قال له: فافتح الباب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم، وأغث اللهوف أعانك الله على نصر المظلوم، وجعلك كهفا للملهوف، وأمانا للخائف.

وأخيرا فإن الأخذ بيد المظلوم، والضرب على يد الظالم ـ مع مراعاة الأحوال ومعرفة فقه التغيير والرجوع إلى أهل العلم ـ يؤدي إلى نجاة المجتمع بأسره ووصوله إلى بر الأمان.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة