السكينة وصف الأنبياء والصالحين

1 1472

إن السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة، وهي حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم قام يصدع بالحق في الخلق ويبلغ دعوة التوحيد لمن ران على قلوبهم الشرك، فناله ما ناله من الأذى، خنق تارة، وألقي على ظهره الشريف سلا الجزور أخرى، حوصر في الشعب ثلاث سنوات، واتهم بأنه ساحر وكاهن ومجنون ويفرق بين المرء وزوجه.

كل ذلك وهو صابر محتسب، ينطق بلسان حاله قبل مقاله: "أن لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري؛ على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

واجه الإساءة بالإحسان، واستمر صلى الله عليه وسلم في دعوته غير عابئ بالصد والتنفير من عبادة الله، يقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". تمنى لهم الخير ودعا لهم به وقال: "لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا".

السكينة علامة اليقين

فالسكينة هي علامة اليقين والثقة برب العالمين، تثمر الخشوع وتجلب الطمأنينة، وتلبس صاحبها ثوب الوقار في المواطن التي تنخلع فيها القلوب وتطيش فيها العقول، انظر يوم الهجرة وقول أبي بكر رضي الله عنه: "لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا". والنبي صلى الله عليه وسلم يجيبه: "ما بالك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا". قال تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) [التوبة:40].

ومن طالع حاله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية وهو يقول: "إنه ربي وإنه لن يضيعني"، ويوم أحد عندما كسرت رباعيته وجرح في وجهه الشريف، ويوم الأحزاب عندما ربط الحجر على بطنه الشريف من شدة الجوع، ينقل التراب.

وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:

والله لولا أنت ما اهتدينا .. ... .. ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينــة علينا .. ... .. وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغـوا علينا .. ... .. إذا أرادوا فتنـة أبينا"

أقول: من طالع أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم في عسره ويسره لعلم أن السكينة هي علامة رضا الله عن العبد، وهي أيضا تؤدي إلى الرضا بما قسم الله عز وجل، وتمنع من الشطط والغلو، كما أنها من الأمور التي تسكن الخائف وتسلي الحزين، وفيها طاعة لله وتأس برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى في وصف المؤمنين يوم بيعة الرضوان: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) [الفتح:18].

وقال تعالى عن يوم حنين بعد أن ولوا مدبرين: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) [التوبة:26].

السكينة عند الشدائد

السكينة هي سمتهم وهيئتهم يوم الأحزاب: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) [ الأحزاب:22].

هي وصف بلال وهم يضعون الصخر على ظهره في حر الظهيرة بمكة وهو يردد: أحد أحد.

وفتى قريش المدلل، مصعب بن عمير، عندما تمتنع أمه عن الطعام والشراب حتى تموت ويعير بها، فيأتيها بعد ثلاث ويقول لها: لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء. فأكلت وشربت، وهذا هو شأنه رضي الله عنه وهو يهاجر إلى المدينة لتعليم أهلها الإسلام، وهو يعيش شظف العيش راضيا عن الله.

ثم وهو يموت ويردد قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) [آل عمران:144]. قال ذلك بعد أن قطعت يمينه وشماله، وأجهز عليه ابن قمئة بحربة.

تمكنت السكينة من نفس خبيب بن عدي وقد أحاط به المشركون لقتله، فقام يصلي لله ركعتين، ثم قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، ولا أرى وجها يقرئ رسولك مني السلام، فأقرئه مني السلام، ثم لما قتل وقع وهو يردد:

ولست أبالي حين أقتل مسلما .. ... .. على أي جنب كان في الله مصرعي

فذلك في ذات الإله وإن يشأ .. ... .. يبارك على أوصـال شلو ممــزع

وأحوال الأولياء والصالحين مع السكينة تطول، ولم لا وهي صفة لازمة للأنبياء والمرسلين: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) [الأنعام:90] .

السكينة صفة الأنبياء

هي حال إبراهيم – عليه السلام – وهو يواجه أباه وقومه والنمروذ، وهو يترك هاجر وولده الوحيد إسماعيل بمكة المكرمة، وهو يهم بعد ذلك بذبح إسماعيل، رباطة جأش وطمأنينة قلب في حله وترحاله، ونقضه وإبرامه، ووصله وهجره.

السكينة هي صفة نبي الله موسى – عليه السلام – وهو يواجه فرعون ويثبت بني إسرائيل ويقول لهم: (استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) [الأعراف:128]، وهو يواجه الهلكة المحققة، فالبحر أمامه وفرعون خلفه ووراءه، فتقول بنو إسرائيل: (إنا لمدركون) فيجيبهم نبي الله موسى – عليه السلام –: (كلا إن معي ربي سيهدين) [الشعراء: 61، 62].

هي سمت نبي الله يوسف عليه السلام في مواجهته لإخوته وللنسوة في مراودتهن له، وهو في السجن وبعد أن تولى ملك مصر، وهو يتوجه إلى ربه بالدعاء: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) [يوسف:101].

وجاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: "إني باعث نبيا أميا، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوال للخنا، أجعل السكينة لباسه والبر شعاره".

سكون القلب وتسلية الحزين

فالسكينة شيء من لطائف صنع الله تعالى نزلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين، جمعت قوة وروحا، فسكن بها الحائف وتسلي بها الحزين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "السكينة مغنم وتركها مغرم".

وقال ابن عباس: "كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا في سورة البقرة". يقصد قوله تعالى: (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملآئكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) [البقرة:248].

وقد وردت النصوص تحض عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوهها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا". [رواه البخاري ومسلم].

وفي الحديث: "لا تقوموا حتى تروني وعليكم السكينة". [رواه البخاري].

وورد: "يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا". [رواه البخاري ومسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم في عشية عرفة للناس حين دفعوا: "عليكم بالسكينة". [رواه مسلم].

والسكينة من الله. قال تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما) [الفتح:26].

وقال: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما) [الفتح:4].

وما عند الله من خير وبركة وسكينة لا نناله إلا بطاعتنا له، والدعاء من أعظم الأسباب في تحصيلها.

وفي الحديث: "تلك السكينة تنزلت للقرآن". [رواه البخاري ومسلم].

وورد: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم". [رواه البخاري ومسلم].

وقد جربت الأكابر قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب فرأوا لها تأثيرا عظيما. وفي ذلك يقول ابن القيم في "مدراج السالكين": "كان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه: لما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة. قال: ثم أقلع عن ذلك الحال وجلست وما بي قلبة".

وقال ابن القيم أيضا: "قرأت هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته".

فاللهم أنزلن سكينة علينا .. ... .. وثبت الأقدام إن لاقينا

ونسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة