تفريج الكربات

3 1346

إن السعي في تفريج الكربات وقضاء الحاجات من أعظم الطاعات والقربات وسبب لنيل الرضى من الله والمحبة من الناس، فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي ومصالحه لا تتم إلا بالتعاون مع الآخرين، فاحتياجاته كثيرة وكرباته عديدة.

والأمر في حساب المؤمنين لا يقتصر على الدنيا دون الآخرة، فأهوال الموت والقبور والآخرة والميزان والصراط وتطاير الصحف.. أهوال عظام ومن أعظم أسباب الخلاص منها السعي في تفريج كربات الآخرين، فعن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه، ثم وجده فقال: إني معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه" [رواه مسلم].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" [رواه البخاري ومسلم].

فمن سعى في تفريج كربات الآخرين يسعى – في واقع الأمر وحقيقته – في تفريج كربة نفسه، قال تعالى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) [الإسراء:7]. وقال: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) [فصلت:46].

فالجزاء من جنس العمل، واعمل ما شئت كما تدين تدان، فعائد العمل يعود على صاحبه أول ما يعود، اعمل ما شئت فإنك مجزي به.

تفريج الكربات من أعظم أسباب إجابة الدعوات

نعم إن تفريج الكربات من أعظم أسباب إجابة الدعوات، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر" [رواه أحمد ورجاله ثقات].

ضعف الإيمان سبب الإعراض

لقد تسبب ضعف الإيمان في عدم السعي في تفريج الكربات وقضاء الحاجات إلا بمقابل وعوض، وعلى سبيل المثال لا الحصر لا تجد اليوم من يقرض الناس قرضا حسنا، وقد انتشرت التعاملات الربوية على مستوى الأفراد والدول والجماعات، فالقرض لابد وأن يجر نفعا ربويا يسمونه – بهتانا – فائدة، وأصبحت اللوثة المادية التي جرت منا مجرى الدم من العروق هي السمة الغالبة في هذا الأمر، فتفريج الكربات وقضاء الحاجات لا يعول فيه إلا على الحول والطول تارة، وعلى الخطط والمؤامرات تارة أخرى، وعلى الرشوة والحيلة والذكاء المزعوم... تارات، حتى نسينا المعاني الإيمانية أو صارت في أحسن الأحوال لا تؤخذ إلا على جهة التجريب فضلا عن أن تكون موضعا للشك والارتياب.

الفرج الأعظم من الله

إن المؤمن يوقن أن الله جل وعلا هو الذي يجيب المضطر ويكشف الضر، وأن الفرج الأعظم يأتي من الله عز وجل، فهو ينجي كل مكروب يستغيثه في الدنيا والآخرة: (كل يوم هو في شأن) [الرحمن:29]. من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويخفض آخرين، ولذلك كان لابد أن تتعلق القلوب بربها في تفريج الكربات وقضاء الحاجات. قال تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) [الصافات:76].

وقال: (ولقد مننا على موسى وهارون * ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم) [الصافات:114، 115].

وقال: (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) [الأنعام:64].

فالأنبياء والأولياء قلوبهم معلقة بالله.

الذكر والدعاء..وتفريج الكربات

فالأذكار والدعوات الصالحات من أعظم الأسباب في تفريج الكربات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم"[رواه البخاري ومسلم].

وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب – أو في الكرب – الله ربي لا أشرك به شيئا". [رواه أبو داود وصححه الألباني].

وفي الحديث: "كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرج الله عنه كربته وأشرق لونه..." قال عمر لطلحة: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمه: "لا إله إلا الله؟" فقال طلحة: هي والله هي".[رواه أحمد وصحح الشيخ أحمد شاكر إسناده].

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي يقول: "امسح البأس رب الناس، بيدك الشفاء، لا يكشف الكرب إلا أنت" [رواه أحمد والبخاري بلفظ: "لا كاشف له إلا أنت" وكذا عند مسلم].

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت". [رواه أبو داود وحسنه الألباني].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر يقول: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". [رواه الترمذي وقال: حديث صحيح].

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين". [رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم].

ودعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له بها"[رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي].

مدينة تفتح بالذكر

وإن تعجب فعجب أمر هذه المدينة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تفتح في آخر الزمان، جانب منها في البر وجانب منها في البحر؛ قال: "فإذا جاءوها (يعني المسلمين) نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم. قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها، ويكررونها في الثانية فيسقط جانبها الآخر، وفي الثالثة فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا...". [رواه مسلم].

الطاعات طريق النجاة من الكربات

والأمر لا يقتصر على الدعاء فسحب، بل العمل بطاعة الله في الجملة – واجبات ومستحبات – من أعظم أسباب تفريج الكربات، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) [الطلاق:2، 3]. (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) [الطلاق:4].

فلو كادك من في الأرض جميعا وكنت على تقوى لله لجعل لك ربنا من بينهم فرجا ومخرجا. قال تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) [النحل:128].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: "أرحنا بها يا بلال" (أي الصلاة)، وقام نبي الله إبراهيم عليه السلام يصلي لما أخذ النمروذ منه سارة، (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) [البقرة:45].

وفي حديث خسوف الشمس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة". وقال أيضا: "فصلوا حتى يفرج الله عنكم". [رواه البخاري ومسلم].

البر لا يبلى

هذه حقيقة لا مراء فيها نراها بأعيننا ونعيشها واقعا وتؤيدها الأدلة الشرعية ؛ فقد حكى النبي صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة بالغار، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم، وذكر الأول قصة بره بوالديه، والثاني ذكر عفته عن ابنة عمه بعد أن تمكن منها، والثالث توسل بأمانته وتنميته مال الأجير، فانفرجت الصخرة، وخرجوا يمشون... [الحديث رواه البخاري ومسلم].

النبي يسعى  في تفريج كربات المسلمين

وقد سعى النبي صلى الله عليه وسلم في توفية غرماء جابر وقضاء دين بلال رضي الله عنهما، وكان صلوات الله وسلامه عليه يفرج كرب المعدوم ومن أصابته النوائب؛ ولذلك قالت السيدة خديجة رضي الله عنها: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق".[رواه البخاري]. فمن كان هذا وصفه، لا يخزيه الله أبدا، كما قالت أم المؤمنين، فكل مقدمة لها نتيجة، والبر لا يبلى، ومن زرع خيرا حصد خيرا.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة