المسألة الثامنة والعشرون : في
عطف بعض أفراد العام عليه
إذا ذكر العام وعطف عليه بعض أفراده مما حق العموم أن يتناوله ، كقوله تعالى :
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فهل يدل ذكر الخاص على أنه غير مراد باللفظ العام أم لا ؟
وقد حكى
الروياني في البحر عن والده في كتاب الوصية أنه حكى اختلاف العلماء في هذه المسألة ، فقال بعضهم : هذا المخصوص بالذكر لا يدخل تحت العام ; لأنا لو جعلناه داخلا تحته لم يكن لإفراده بالذكر فائدة .
قال
الزركشي في البحر : وعلى هذا جرى
أبو علي الفارسي ، وتلميذه
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني ، وظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يدل عليه فإنه قال في حديث
عائشة في الصلاة الوسطى وصلاة
[ ص: 400 ] العصر : إنه يدل على أن الصلاة الوسطى ليست العصر ; لأن العطف يقتضي المغايرة .
قال
الروياني أيضا : وقال بعضهم هذا المخصوص بالذكر هو داخل تحت العموم ، وفائدته التأكيد ، وكأنه ذكر مرة بالعموم ، ومرة بالخصوص ، وهذا هو الظاهر ، وقد أوضحنا هذا المقام بما لا مزيد عليه في شرحنا للمنتقى .
وإذا كان المعطوف خاصا فاختلفوا هل يقتضي تخصيص المعطوف عليه أم لا ، فذهب الجمهور إلى أنه لا يوجبه ، وقالت الحنفية : يوجبه ، وقيل بالوقف .
ومثال هذه المسألة قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338089لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ، فقال الأولون : لا يقتل المسلم بالذمي ، لقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338090لا يقتل مؤمن بكافر ، وهو عام في الحربي والذمي ; لأنه نكرة في سياق النفي .
وقالت الحنفية بل هو خاص ، والمراد به الكافر الحربي بقرينة عطف الخاص عليه ، وهو قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338091ولا ذو عهد في عهده فيكون التقدير : ولا ذو عهد في عهده بكافر . قالوا : والكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الحربي فقط بالإجماع ; لأن المعاهد يقتل بالمعاهد ، فيجب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه .
قال الأولون ، وهذا التقدير ضعيف لوجوه :
أحدها : أن العطف لا يقتضي الاشتراك بين المتعاطفين من كل وجه .
الثاني : أن قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338091ولا ذو عهد في عهده كلام تام فلا يحتاج إلى إضمار قوله " بكافر " ; لأن الإضمار خلاف الأصل ، والمراد حينئذ أن العهد عاصم من القتل ، وقد صرح
أبو عبيد في غريب الحديث بذلك ، فقال : إن قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338092ولا ذو عهد جملة مستأنفة ، وإنما قيده بقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338093في عهده ; لأنه لو اقتصر على قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338092ولا ذو عهد [ ص: 401 ] لتوهم أن من وجد منه العهد ، ثم خرج منه لا يقتل ، فلما قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338093في عهده علمنا اختصاص النهي بحالة العهد .
الثالث : أن حمل الكافر المذكور على الحربي لا يحسن ; لأن إهدار دمه معلوم من الدين بالضرورة ، فلا يتوهم أحد قتل مسلم به .
وقد أطال أهل الأصول الكلام في هذه المسألة ، وليس هناك ما يقتضي التطويل .
وقد قيل : على ما ذهب إليه الأولون ما وجه الارتباط بين الجملتين ، إذ لا يظهر مناسبة لقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338092ولا ذو عهد في عهده مطلقا مع قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338094لا يقتل مسلم بكافر .
وأجاب عن ذلك الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي : بأن عداوة الصحابة رضي الله عنهم للكفار كانت شديدة جدا ، فلما قال عليه الصلاة والسلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338094لا يقتل مسلم بكافر خشي أن يتجرد هذا الكلام فتحملهم العداوة الشديدة بينهم على قتل كل كافر من معاهد وغيره ، فعقبه بقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338092ولا ذو عهد في عهده .