[ ص: 436 ] المسألة الثانية عشرة :
التخصيص بالشرط
وحقيقته في اللغة العلامة ، كذا قيل .
واعترض عليه بما في الصحاح وغيره من كتب اللغة بأن الذي بمعنى العلامة هو الشرط بالتحريك ، وجمعه أشراط ، ومنه أشراط الساعة ، أي علاماتها .
وأما الشرط بالسكون فجمعه شروط هذا جمع الكثرة فيه ، ويقال في جمع القلة منه أشرط كفلوس ، وأفلس .
وأما حقيقته في الاصطلاح ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : الشرط ما لا يوجد المشروط دونه ، ولا يلزم أن يوجد عنده .
واعترض عليه بأنه يستلزم الدور ; لأنه عرف الشرط بالمشروط ، وهو مشتق منه فيتوقف تعقله على تعقله ، وبأنه غير مطرد ; لأن جزء السبب كذلك ، فإنه لا يوجد المسبب بدونه ، ولا يلزم أن يوجد عنده ، وليس بشرط .
وأجيب عن الأول : بأن ذلك بمثابة قولنا : شرط الشيء ما لا يوجد ذلك الشيء بدونه ، وظاهر أن تصور حقيقة المشروط غير محتاج إليه في تعقل ذلك .
وعن الثاني : بأن جزء السبب قد يوجد المسبب بدونه إذا وجد سبب آخر .
وقال في المحصول : إن الشرط هو الذي يتوقف عليه المؤثر في تأثيره ، لا في ذاته .
وقال : ولا ترد عليه العلة ; لأنها نفس المؤثر ، والشيء لا يتوقف على نفسه ، ولا جزء العلة ، ولا شرط العلة ; لأن العلة تتوقف عليه في ذاتها . انتهى .
واعترض عليه : بأنه غير منعكس ; لأن الحياة شرط في العلم القديم ، ولا يتصور هاهنا تأثير ومؤثر ، إذ المحوج إلى المؤثر هو الحدوث .
وقيل : الشرط ما يستلزم نفيه نفي أمر آخر ، لا على جهة السببية فيخرج السبب وجزؤه .
ورد بأن
الفرق بين السبب والشرط يتوقف على فهم المعنى المميز بينهما ، ففيه
[ ص: 437 ] تعريف الشيء بمثله في الخفاء .
وقيل : هو ما استلزم عدمه عدم أمر مغاير ، وهو كالذي قبله .
وأحسن ما قيل في حده : أنه ما يتوقف عليه الوجود ، ولا دخل له في التأثير والإفضاء ، فيخرج جزء السبب ; لأنه وإن توقف عليه السبب لكن له دخل في الإفضاء إليه ، ويخرج سبب الشيء بالنسبة إليه بالطريق الأولى ، وتخرج العلة ; لأنها وإن توقف عليها الوجود فهي مع ذلك مؤثرة .
أقسام الشرط
والشرط ينقسم إلى أربعة أقسام : عقلي ، وشرعي ، ولغوي ، وعادي .
فالعقلي : كالحياة للعلم ، فإن العقل هو الذي يحكم بأن العلم لا يوجد إلا بحياة ، فقد توقف وجوده على وجودها عقلا .
والشرعي : كالطهارة للصلاة ، فإن الشرع هو الحاكم بأن الصلاة لا توجد إلا بطهارة ، فقد توقف وجود الصلاة على وجود الطهارة شرعا .
واللغوي : كالتعليقات ، نحو إن قمت قمت ، ونحو أنت أنت طالق إن دخلت الدار ، فإن أهل اللغة وضعوا هذا التركيب ليدل على ما دخلت عليه أداة الشرط هو الشرط ، والمعلق عليه هو الجزاء .
ويستعمل الشرط اللغوي في السبب الجعلي ، كما قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، والمراد : أن الدخول سبب للطلاق يستلزم وجوده وجوده ، لا مجرد كون عدمه مستلزما لعدمه ، من غير سببيته ، وبهذا صرح
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ،
والقرافي ،
وابن الحاجب ، وشراح كتابه .
ويدل على هذا قول النحاة في الشرط والجزاء : بأن الأول سبب ، والثاني مسبب .
والشرط العادي : كالسلم لصعود السطح ، فإن العادة قاضية بأن لا يوجد الصعود إلا بوجود السلم أو نحوه مما يقوم مقامه .
ثم الشرط قد يتحد ، وقد يتعدد ، ومع التعدد قد يكون كل واحد شرطا على
[ ص: 438 ] الجمع ، فيتوقف المشروط على حصولها جميعا وقد يكون لكل واحد شرطا مستقلا ، فيحصل المشروط بحصول واحد منها ، فإذا قال : إن دخلت الدار وأكلت وشربت ، فأنت طالق ، لم تطلق إلا بالدخول والأكل والشرب ، وإن قال : إن دخلت أو أكلت أو شربت فأنت طالق ، طلقت بواحدة منها .
واعلم أن
الشرط كالاستثناء في اشتراط الاتصال ، وفي تعقبه لجمل متعددة .
قال
الرازي في المحصول : اختلفوا في أن الشرط الداخل على الجمل هل يرجع حكمه إليها بالكلية ؟
فاتفق الإمامان :
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي على رجوعه إلى الكل .
وذهب بعض الأدباء إلى أنه يختص بالجملة التي تليه ، حتى إنه إذا كان متأخرا اختص بالجملة الأخيرة ، وإن كان متقدما اختص بالجملة الأولى .
والمختار التوقف كما تقدم في مسألة الاستثناء .
ثم قال : اتفقوا على وجوب
اتصال الشرط بالكلام ، ودليله ما مر في الاستثناء ، واتفقوا على أنه يحسن التقييد بشرط يكون الخارج به أكثر من الباقي ، وإن اختلفوا فيه على الاستثناء . انتهى .
فقد حكي الاتفاق في هاتين الصورتين كما تراه .