المسألة السابعة
في جواز
نسخ الأخبار
وفيه تفصيل ، وهو أن يقال : إن كان خبرا عما لا يجوز تغيره ، كقولنا العالم حادث ، فهذا لا يجوز نسخه بحال .
وإن كان خبرا عما يجوز تغيره ، فإما أن يكون ماضيا أو مستقبلا ، والمستقبل إما أن
[ ص: 547 ] يكون وعدا أو وعيدا ، أو خبرا عن حكم ، كالخبر عن وجوب الحج .
فذهب الجمهور إلى جواز النسخ لهذا الخبر بجميع هذه الأقسام .
وقال
أبو علي ،
وأبو هاشم : لا يجوز النسخ لشيء منها .
قال في المحصول : وهو قول أكثر المتقدمين .
استدل الجمهور على الجواز أن الخبر إن كان عن أمر ماض كقوله : " عمرت
نوحا ألف سنة " جاز أن يبين من بعد أنه عمره ألف سنة إلا خمسين عاما .
وإن كان مستقبلا ، وكان وعدا أو وعيدا ، كقوله : لأعذبن الزاني أبدا ، فيجوز أن يبين من بعد أنه أراد ألف سنة ، وإن كان خبرا عن حكم الفعل في المستقبل ; كان الخبر كالأمر في تناوله الأوقات المستقبلة ، فصح إطلاق الكل مع إرادة البعض لما تناوله بموضوعه .
قال
الزركشي : إن كان مدلول الخبر مما لا يمكن تغيره ، بأن لا يقع إلا على وجه واحد ، كصفات الله ، وخبر ما كان من الأنبياء والأمم ، وما يكون من الساعة وآياتها ، كخروج الدجال فلا يجوز نسخه بالاتفاق ، كما قاله أبو إسحاق المروزي ، وابن برهان في الأوسط لأنه يفضي إلى الكذب ، وإن كان مما يصح تغيره ، بأن يقع على الوجه المخبر عنه ماضيا كان أو مستقبلا ، وعدا أو وعيدا ، أو خبرا عن حكم شرعي ، فهو موضع الخلاف .
فذهب
أبو عبد الله ،
وأبو الحسين البصريان ،
وعبد الجبار ،
nindex.php?page=showalam&ids=16785والفخر الرازي ، إلى جوازه مطلقا ، ونسبه
ابن برهان في الأوسط إلى المعظم .
وذهب جماعة إلى المنع ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي ، كما رأيته في كتابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبو إسحاق المروزي كما رأيته في كتابه في الناسخ والمنسوخ ،
والقاضي أبو بكر ،
وعبد الوهاب ،
والجبائي ، وابنه
أبو هاشم ،
وابن السمعاني ،
وابن الحاجب .
[ ص: 548 ] وقال
الأصفهاني إنه الحق .
ومنهم من فصل ، ومنع من الماضي ; لأنه يكون تكذيبا دون المستقبل لجريانه مجرى الأمر والنهي ، فيجوز أن يرفع ; لأن الكذب يختص بالماضي ، ولا يتعلق بالمستقبل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجب الوفاء بالوعد ، وإنما يسمى من لم يف بالوعد مخلفا لا كاذبا .
وهذا التفصيل جزم به
سليم ، وجرى عليه
البيضاوي في المنهاج وسبقهما إليه
nindex.php?page=showalam&ids=12855أبو الحسين بن القطان .
أقول : والحق منعه في الماضي مطلقا ، وفي بعض المستقبل ، وهو الخبر بالوعد ، لا بالوعيد ، ولا بالتكليف ، أما التكليف فظاهر ; لأنه رفع حكم عن مكلف ، وأما بالوعيد ، فلكونه عفوا ، وهو لا يمتنع من الله سبحانه ، بل هو حسن يمدح فاعله من غيره ، ويمتدح به في نفسه ، وأما الماضي فهو كذب صراح ، إلا أن يتضمن تخصيصا ، أو تقييدا ، أو تبيينا لما تضمنه الخبر الماضي ، فليس بذلك بأس .
وهذه المسألة لها إلمام بمسألة الحسن والقبح ، المتقدم ذكرها في بعض أطرافها دون بعض .
وقد استدل المانعون مطلقا باستلزام ذلك الكذب ، وهو استدلال باطل ، فإن ذلك الاستلزام إنما هو في بعض الصور كما عرفت ، لا في كلها ، وقد نقل
أبو الحسين في المعتمد عن شيوخ المعتزلة منع النسخ في الوعد والوعيد .
قال
الزركشي وأما عندنا فكذلك في الوعد ; لأنه إخلاف ، والخلف في الإنعام يستحيل على الله ، وبه صرح الصيرفي في كتابه ، وأما في الوعيد فنسخه جائز ، كما قال
ابن السمعاني . قال : ولا يعد ذلك خلفا ، بل عفوا وكرما .