إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
ولها شروط أربعة وعشرون :

( الأول ) : أن تكون مؤثرة في الحكم ، فإن لم تؤثر فيه لم يجز أن تكون علة .

هكذا قال جماعة من أهل الأصول ، ومرادهم بالتأثير : المناسبة ، قال القاضي في التقريب : معنى كون العلة مؤثرة في الحكم هو أن يغلب على ظن المجتهد أن الحكم حاصل عند ثبوتها لأجلها ، دون شيء سواها .

وقيل معناه : أنها جالبة للحكم ، ومقتضية له .

( الثاني ) : أن تكون وصفا ضابطا ، بأن يكون تأثيرها لحكمة مقصودة للشارع ، لا حكمة مجردة لخفائها ، فلا يظهر إلحاق غيرها بها .

[ ص: 607 ] وهل يجوز كونها نفس الحكم ، وهي الحاجة إلى جلب مصلحة ، أو دفع مفسدة ، قال الرازي في المحصول : يجوز . وقال غيره : يمتنع .

وقال آخرون : إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها جاز التعليل بها ، واختاره الآمدي ، والصفي الهندي .

واتفقوا على جواز التعليل بالوصف المشتمل عليها ، أي مظنتها بدلا عنها ، ما لم يعارضه قياس .

( الثالث ) : أن تكون ظاهرة جلية ، وإلا لم يمكن إثبات الحكم بها في الفرع ، على تقدير أن تكون أخفى منه ، أو مساويا له في الخفاء .

كذا ذكره الآمدي في جدله .

( الرابع ) : أن تكون سالمة بحيث لا يردها نص ، ولا إجماع .

( الخامس ) : أن لا يعارضها من العلل ما هو أقوى منها .

ووجه ذلك : أن الأقوى أحق بالحكم ، كما أن النص أحق بالحكم من القياس .

( السادس ) : أن تكون مطردة ، أي كلما وجدت وجد الحكم ، لتسلم من النقض والكسر ، فإن عارضها نقض أو كسر بطلت .

( السابع ) : أن لا تكون عدما في الحكم الثبوتي ، أي لا يبطل الحكم الوجودي بالوصف العدمي ، قاله جماعة .

وذهب الأكثرون إلى جوازه .

قال المانعون : لو كان العدم علة للحكم الثبوتي ; لكان مناسبا أو مظنة ، واللازم باطل . وأجيب بمنع بطلان اللازم .

( الثامن ) : أن لا تكون العلة المتعدية هي المحل ، أو جزءا منه ; لأن ذلك يمنع من تعديتها .

( التاسع ) : أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة ، والمراد انتفاء العلم أو الظن به ، إذ لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول .

[ ص: 608 ] ( العاشر ) : أن تكون أوصافها مسلمة ، أو مدلولا عليها ، كذا قال الأستاذ أبو منصور .

( الحادي عشر ) : أن يكون الأصل المقيس عليه معللا بالعلة التي يعلق عليها الحكم في الفرع ، بنص أو إجماع ( كذا قال الأستاذ أبو منصور ) .

( الثاني عشر ) : أن لا تكون موجبة للفرع حكما ، وللأصل حكما آخر غيره .

( الثالث عشر ) : أن لا توجب ضدين ; لأنها حينئذ تكون شاهدة لحكمين متضادين ، قاله الأستاذ أبو منصور .

( الرابع عشر ) : أن لا يتأخر ثبوتها عن ثبوت حكم الأصل ، خلافا لقوم .

( الخامس عشر ) : أن يكون الوصف معينا ; لأن رد الفرع إليها لا يصح إلا بهذه الواسطة .

( السادس عشر ) : أن يكون طريق إثباتها شرعيا كالحكم .

ذكره الآمدي في جدله .

( السابع عشر ) : أن لا يكون وصفا مقدرا .

قال الهندي : ذهب الأكثرون إلى أنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة ، خلافا للأقلين من المتأخرين .

( الثامن عشر ) : إن كانت مستنبطة ، فالشرط أن ترجع على الأصل بإبطاله ، أو إبطال بعضه ، لئلا يفضي إلى ترك الراجح إلى المرجوح ، إذ الظن المستفاد من النص أقوى من الظن المستفاد من الاستنباط; لأنه فرع له ، والفرع لا يرجع على إبطال أصله ، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال .

[ ص: 609 ] ( التاسع عشر ) : إن كانت مستنبطة ، فالشرط أن لا تعارض بمعارض مناف موجود في الأصل .

( العشرون ) : إن كانت مستنبطة فالشرط أن لا تتضمن زيادة على النص ، أي حكما غير ما أثبته النص .

( الحادي والعشرون ) : أن لا تكون معارضة لعلة أخرى ، تقتضي نقيض حكمها .

( الثاني والعشرون ) : إذا كان الأصل فيه شرط ; فلا يجوز أن تكون العلة موجبة لإزالة ذلك الشرط .

( الثالث والعشرون ) : أن لا يكون الدليل الدال عليها متناولا لحكم الفرع ، لا بعمومه ولا بخصوصه ، للاستغناء حينئذ عن القياس .

( الرابع والعشرون ) : أن لا تكون مؤيدة لقياس أصل منصوص عليه بالإثبات على أصل منصوص عليه بالنفي .

فهذه شروط العلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية