إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
[ ص: 611 ] وقد اختلفوا في جواز تعدد العلل مع اتحاد الحكم ، فإن كان الاتحاد بالنوع ، مع الاختلاف بالشخص ، كتعليل إباحة قتل زيد بردته ، وقتل عمرو بالقصاص ، وقتل خالد بالزنا مع الإحصان ، فقد اتفقوا على الجواز ، وممن نقل الاتفاق على ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي ، والآمدي والصفي الهندي .

وأما إذا كان الاتحاد بالشخص ، فقيل : لا خلاف في امتناعه بعلل عقلية .

وحكى القاضي الخلاف في ذلك فقال : ثم اختلفوا إذا وجب الحكم العقلي بعلتين ، فقيل : لا يرتفع إلا بارتفاعهما جميعا .

وقيل : يرتفع بارتفاع إحداهما .

وأما تعدد العلل الشرعية ، مع الاتحاد في الشخص ، كتعليل قتل زيد بكونه من يجب عليه فيه القصاص ، وزنى مع الإحصان ، فإن كل واحد منهما يوجب القتل بمجرده ، فهل يصح تعليل إباحة دمه بهما معا أم لا ؟ اختلفوا في ذلك على مذاهب :

( الأول ) : المنع مطلقا ، منصوصة كانت أو مستنبطة .

حكاه القاضي عبد الوهاب عن متقدمي أصحابهم ، وجزم به الصيرفي ، واختاره الآمدي ، ونقله القاضي ، وإمام الحرمين .

( الثاني ) : الجواز مطلقا ، وإليه ذهب الجمهور ، كما حكاه القاضي في التقريب .

قال : وبهذا نقول ; لأن العلل علامات وأمارات على الأحكام ، لا موجبة لها ، فلا يستحيل ذلك .

قال ابن برهان في الوجيز : إنه الذي استقر عليه رأي إمام الحرمين .

( الثالث ) : الجواز في المنصوصة دون المستنبطة ، وإليه ذهب أبو بكر بن فورك ، والفخر الرازي ، وأتباعه .

وذكر إمام الحرمين أن القاضي يميل إليه ، وكلام إمام الحرمين هذا هو الذي اعتمده [ ص: 612 ] ابن الحاجب في نقل هذا المذهب عن القاضي ، كما صرح به مختصر المنتهى ، ولكن النقل عن القاضي مختلف كما عرفته .

( الرابع ) : الجواز في المستنبطة دون المنصوصة ، حكاه ابن الحاجب في مختصر المنتهى ، وابن المنير في شرحه للبرهان ، وهو قول غريب .

والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز .

وكما ذهبوا إلى الجواز فقد ذهبوا أيضا إلى الوقوع ، ولم يمنع ذلك عقل ولا شرع .

التالي السابق


الخدمات العلمية