[ ص: 686 ] ( المسألة الثانية )
اختلفوا
هل كان متعبدا بعد البعثة بشرع من قبله أم لا ؟ على أقوال :
( الأول ) : أنه لم يكن متعبدا باتباعها بل كان منهيا عنها ، وإليه ذهب الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي في آخر قوليه ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في آخر عمره .
قال
ابن السمعاني إنه المذهب الصحيح ، وكذا قال
الخوارزمي في الكافي ، واستدلوا بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لما بعث
معاذا إلى
اليمن لم يرشده إلا إلى العمل بالكتاب والسنة ، ثم اجتهاد الرأي .
وصحح هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى :
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا .
وبالغت المعتزلة فقالت باستحالة ذلك عقلا ، وقال غيرهم : العقل لا يحيله ، ولكنه ممتنع شرعا ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي .
( القول الثاني ) : أنه كان متعبدا بشرع من قبله ، إلا ما نسخ منه ، نقله
ابن السمعاني عن أكثر الشافعية ، وأكثر الحنفية ، وطائفة من المتكلمين .
قال
ابن القشيري : هو الذي صار إليه الفقهاء ، واختاره
ابن برهان وقال إنه قول أصحابهم ، وحكاه
الأستاذ أبو منصور عن
محمد بن الحسن [ ص: 687 ] واختاره
الشيخ أبو إسحاق واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب .
وقال
ابن السمعاني : وقد أومأ إليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في بعض كتبه .
قال
القرطبي : وذهب إليه معظم أصحابنا ، يعني المالكية ، قال القاضي
عبد الوهاب : إنه الذي تقتضيه أصول
مالك .
واستدلوا بقوله سبحانه : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية ، فإن ذلك مما استدلوا به في شرعنا على وجوب القصاص ، ولو لم يكن متعبدا بشرع من قبله ، لما صح الاستدلال بكون القصاص واجبا في شرع
بني إسرائيل على كونه واجبا في شرعه .
واستدلوا أيضا بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338154من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وقرأ قوله تعالى :
وأقم الصلاة لذكري وهي مقولة
لموسى ، فلو لم يكن متعبدا بشرع من قبله ; لما كان لتلاوة الآية عند ذلك فائدة .
واستدلوا بما ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه سجد في سورة ص وقرأ قوله تعالى :
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فاستنبط التشريع من هذه الآية .
واستدلوا أيضا بما ثبت في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338155أنه كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ( فإن هذا يفيد أنه كان متعبدا فيما لم ينزل عليه ) ولولا ذلك لم يكن لمحبته للموافقة فائدة .
[ ص: 688 ] ولا أوضح ولا أصرح في الدلالة على هذا المذهب من قوله تعالى :
فبهداهم اقتده وقوله :
ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا .
( القول الثالث ) : الوقف ، حكاه
ابن القشيري وابن برهان .
وقد فصل بعضهم تفصيلا حسنا فقال : إنه إذا بلغنا شرع من قبلنا على لسان الرسول ، أو لسان من أسلم
nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار ولم يكن منسوخا ، ولا مخصوصا ، فإنه شرع لنا ، وممن ذكر هذا
القرطبي ، ولا بد من هذا التفصيل ، على قول القائلين بالتعبد ; لما هو معلوم من وقوع التحريف والتبديل ، فإطلاقهم مقيد بهذا القيد ، ولا أظن أحدا منهم يأباه .