قد قدمنا الكلام فيها في مباحث القياس ، وسنذكر هاهنا بعض ما يتعلق بها ، تتميما للفائدة ، ولكونها قد ذكرها جماعة من أهل الأصول في مباحث الاستدلال ; ولهذا سماها بعضهم
بالاستدلال المرسل ، وأطلق
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين وابن السمعاني عليها اسم الاستدلال .
قال
الخوارزمي : والمراد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ، بدفع المفاسد عن الخلق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : هي أن يوجد معنى يشعر بالحكم ، مناسب عقلا ، ولا يوجد أصل متفق عليه .
وقال
ابن برهان : هي ما لا تستند إلى أصل كلي ولا جزئي .
وقد
اختلفوا في القول بها على مذاهب :
( الأول ) : منع التمسك بها مطلقا وإليه ذهب الجمهور .
[ ص: 692 ] ( والثاني ) : الجواز مطلقا ، وهو المحكي عن
مالك ، قال
الجويني في
البرهان : وأفرط في القول بها حتى جره إلى استحلال القتل وأخذ المال لمصالح يقتضيها في غالب الظن ، وإن لم يجد لها مستندا ، وقد حكي القول بها عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، في قوله القديم ، وقد أنكر جماعة من المالكية ما نسب إلى
مالك من القول بها ، ومنهم
القرطبي وقال : ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ومعظم أصحاب
أبي حنيفة إلى عدم الاعتماد عليها ، وهو مذهب
مالك ، قال : وقد اجترأ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني ، وجازف فيما نسبه إلى
مالك من الإفراط في هذا الأصل ، وهذا لا يوجد في كتب
مالك ولا في شيء من كتب أصحابه .
قال
ابن دقيق العيد : الذي لا شك فيه أن
لمالك ترجيحا على غيره من الفقهاء في هذا النوع ، ويليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، ولا يكاد يخلو غيرهما عن اعتباره في الجملة ، ولكن لهذين ترجيح في الاستعمال لها على غيرهما انتهى .
قال
القرافي : هي عند التحقيق في جميع المذاهب ; لأنهم يقومون ويقعدون بالمناسبة ، ولا يطلبون شاهدا بالاعتبار ، ولا نعني بالمصلحة المرسلة إلا ذلك .
( الثالث ) : إن كانت ملائمة لأصل كلي من أصول الشرع ، أو لأصل جزئي ، جاز بناء الأحكام عليها ، وإلا فلا .
حكاه
ابن برهان في الوجيز عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال : إنه الحق المختار .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومعظم أصحاب
أبي حنيفة إلى اعتماد تعليق الأحكام بالمصالح المرسلة ، بشرط ملائمته للمصالح المعتبرة المشهود لها بالأصول .
( الرابع ) : إن كانت تلك المصلحة ضرورية ، قطعية ، كلية ; كانت معتبرة ; فإن فقد أحد هذه الثلاثة لم تعتبر ، والمراد بالضرورية أن تكون من الضروريات الخمس ، وبالكلية أن تعم جميع المسلمين ، لا لو كانت لبعض الناس دون بعض ، أو في حالة مخصوصة دون حالة ، واختار هذا
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي والبيضاوي ومثل
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي للمصلحة
[ ص: 693 ] المستجمعة الشرائط ، بمسألة الترس ، وهي ما إذا تترس الكفار بجماعة من المسلمين ، وإذا رمينا قتلنا مسلما من دون جريمة منه ، ولو تركنا الرمي لسلطنا الكفار على المسلمين ، فيقتلونهم ، ثم يقتلون الأسارى الذين تترسوا بهم ، فحفظ المسلمين لقتل من تترسوا به من المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع ; لأنا نقطع أن الشارع يقصد تقليل القتل ، كما يقصد حسمه عند الإمكان ، فحيث لم نقدر على الحسم ، فقد قدرنا على التقليل ، وكان هذا التفاتا إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودة للشرع ، لا بدليل واحد ، بل بأدلة خارجة ( عن الحصر ) ، ولكن تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق ، وهو قتل من لم يذنب لم يشهد له أصل معين ، فينقدح اعتبار هذه المصلحة بالأوصاف الثلاثة ، وهي كونها ضرورية ، كلية ، قطعية ، فخرج بالكلية فإذا أشرف جماعة في سفينة على الغرق ، ولو غرق بعضهم لنجوا فلا يجوز تغريق البعض ، وبالقطعية ما إذا شككنا في كون الكفار يتسلطون عن عدم رمي الترس ( وبالضرورة ما إذا تترسوا في قلعة بمسلم ; فلا يحل رمي الترس ) إذ لا ضرورة بنا إلى أخذ القلعة .
قال
القرطبي : هي بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها ، وأما
ابن المنير فقال : هو احتكام من قائله ، ثم هو تصويرها بما لا يمكن عادة ، ولا شرعا ، أما عادة فلأن القطع في الحوادث المستقلة لا سبيل إليه إذ هو عبث وعناد ، وأما شرعا فلأن الصادق المعصوم قد أخبرنا بأن الأمة لا يتسلط عدوها عليها ليستأصل شأفتها .
قال : وحاصل كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي رد الاستدلال بها ; لتضييقه في قبولها باشتراط ما لا يتصور وجوده ، انتهى .
قال
الزركشي : وهذا تحامل منه ، فإن الفقيه يفرض المسائل النادرة ; لاحتمال وقوعها ، بل المستحيلة لرياضة الأذهان ، ولا حجة له في الحديث ; لأن المراد به
[ ص: 694 ] كافة الخلق وتصوير
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي إما هو في أهل محلة بخصوصهم ، استولى عليهم الكفار ، لا جميع العالم ، وهذا واضح انتهى .
قال
ابن دقيق العيد : لست أنكر على من اعتبر أصل المصالح ، لكن الاسترسال فيها ، وتحقيقها محتاج إلى نظر سديد ، وربما يخرج عن الحد ، وقد نقلوا عن
عمر - رضي الله عنه - أنه قطع لسان
الحطيئة بسبب الهجو ، فإن صح ذلك فهو من باب العزم على المصالح المرسلة ، وحمله على التهديد الرادع للمصلحة أولى من حمله على حقيقة القطع للمصلحة ، وهذا يجر إلى النظر فيما يسمى مصلحة مرسلة .
قال : وشاورني بعض القضاة في قطع أنملة شاهد ، والغرض منعه عن الكتابة بسبب قطعها ، وكل هذه منكرات عظيمة الموقع في الدين ، واسترسال قبيح في أذى المسلمين انتهى .