إذا تقرر لك أن
العامي يسأل العالم ، والمقصر يسأل الكامل ، فعليه أن
يسأل أهل العلم المعروفين بالدين ، وكمال الورع ، عن العالم بالكتاب والسنة ، العارف بما فيهما ، المطلع على ما يحتاج إليه في فهمها من العلوم الآلية ، حتى يدلوه عليه ، ويرشدوه إليه ، فيسأله عن حادثته طالبا منه أن يذكر له فيها ما في كتاب الله - سبحانه ، أو ما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم ، فحينئذ يأخذ الحق من معدنه ، ويستفيد الحكم من موضعه ، ويستريح من الرأي الذي لا يأمن المتمسك به أن يقع في الخطأ ، المخالف للشرع ، المباين للحق ، ومن سلك هذا المنهج ، ومشى في هذا الطريق ؛ لا يعدم مطلبه ، ولا يفقد من يرشده إلى الحق ، فإن الله - سبحانه وتعالى - قد أوجد لهذا الشأن من يقوم به ، ويعرفه حق معرفته ، وما من مدينة من المدائن إلا وفيها جماعة من علماء الكتاب والسنة ، وعند ذلك يكون حكم هذا المقصر حكم المقصرين من الصحابة والتابعين ، وتابعيهم ، فإنهم كانوا يستروون النصوص من العلماء ، ويعملون
[ ص: 770 ] على ما يرشدونهم إليه ويدلوهم عليه ، وقد ذكر أهل الأصول أنه يكفي العامي في الاستدلال على من له أهلية الفتوى بأن يرى الناس متفقين على سؤاله ، مجتمعين على الرجوع إليه ، ولا يستفتي من كان مجهول الحال كما صرح به
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي وابن الحاجب .
وحكى في المحصول الاتفاق على المنع ، وشرط
القاضي أخبار من يوجب خبره العلم بكونه عالما في الجملة ، ولا يكفي خبر الواحد والاثنين وخالفه غيره في ذلك ، فاكتفوا بخبر عدلين ، وممن صرح بذلك صاحب المنخول ، فقال : واشتراط تواتر الخبر بكونه مجتهدا ، كما قاله الأستاذ غير سديد ، واشترط
القاضي ، وجماعة من المحققين امتحانه بالمسائل المتفرقة ، ومراجعته فيها ، فإن أصاب في الجواب غلب على ظنه كونه مجتهدا ، وذهب جماعة من
الشافعية إلى أنها تكفي الاستفاضة بين الناس .
قال
ابن برهان في الوجيز : قيل : يقول له أمجتهد أنت ، وأقلدك ؟ فإن أجابه قلده . قال : وهذا أصح المذاهب ، وجزم الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي بأنه يكفيه خبر العدل الواحد عن فقهه وأمانته ؛ لأن طريقه طريق الأخبار . انتهى .
وإذا كان في البلد جماعة متصفون بهذه الصفة ، المسوغة للأخذ عنهم ، فالمستفتي مخير بينهم ، كما صرح به عامة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
قال
الرافعي : وهو الأصح .
وقال الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=11812أبو إسحاق الإسفراييني وإلكيا : إنه يبحث عن الأعلم منهم ، فيسأله ، وقد سبقه إلى القول بذلك ابن
سريج ،
والقفال ، قالوا : لأن الأعلم أهدى إلى أسرار الشرع .
وإذا اختلف عليه فتوى علماء عصره ، فقيل : هو مخير يأخذ بما شاء منها ، وبه قال أكثر أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وصححه الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب البغدادي ،
وابن الصباغ ، والقاضي
nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي .
[ ص: 771 ] واستدلوا بإجماع الصحابة على عدم إنكار العمل بقول المفضول ، مع وجود الأفضل .
وقيل : يأخذ بالأغلظ ، حكاه
الأستاذ أبو منصور عن
أهل الظاهر .
وقيل : يأخذ بالأخف .
وقيل : يبحث عن الأعلم منهم ، فيأخذ بقوله ، وهو قول من قال : إنه يبحث عن الأعلم كما تقدم .
وقيل : يأخذ بقول الأول ، حكاه
الروياني .
وقيل : يأخذ بقول من يعمل على الرواية دون الرأي حكاه
الرافعي .
وقيل : يجب عليه أن يجتهد فيما يأخذ ، مما اختلفوا فيه ، حكاه
ابن السمعاني .
وقيل : إن كان في حق الله أخذ بالأخف ، وإن كان في حق العباد أخذ بالأغلظ حكاه
الأستاذ أبو منصور . وقيل : إنه يسأل المختلفين عن حجتهما إن اتسع عقله لفهم ذلك ، فيأخذ بأرجح الحجتين عنده ، وإن لم يتسع عقله لذلك أخذ بقول المعتبر عنده . قاله
الكعبي .