البحث السابع : في
التقرير
وصورته أن يسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إنكار قول قيل بين يديه ، أو في عصره وعلم به ، أو يسكت عن إنكار فعل فعل بين يديه ، أو في عصره وعلم به ، فإن ذلك يدل على الجواز ، وذلك كأكل العنب بين يديه .
قال
ابن القشيري : وهذا مما لا خلاف فيه ، وإنما اختلفوا في شيئين : أحدهما أنه إذا
دل التقرير على انتفاء الحرج فهل يختص بمن قرر ، أو يعم سائر المكلفين ؟
فذهب
القاضي إلى الأول ; لأن التقرير ليس له صيغة تعم ، ولا يتعدى إلى غيره . وقيل : يعم للإجماع على أن التحريم إذا ارتفع في حق واحد ارتفع في حق الكل ،
[ ص: 154 ] وإلى هذا ذهب
الجويني ، وهو الحق ; لأنه في حكم خطاب الواحد ، وسيأتي أنه يكون غير المخاطب بذلك الحكم من المكلفين كالمخاطب به ، ونقل هذا القول
المازري عن الجمهور ، هذا إذا لم يكن التقرير مخصصا لعموم سابق ، أما إذا كان مخصصا لعموم سابق ، فيكون لمن قرر من واحد أو جماعة ، وأما إذا كان التقرير في شيء قد سبق تحريمه فيكون ناسخا لذلك التحريم ، كما صرح به جماعة من أهل الأصول ، وهو الحق .
ومما يندرج تحت التقرير :
إذا قال الصحابي : كنا نفعل كذا ، أو كانوا يفعلون كذا ، وأضافه إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان مما لا يخفى مثله عليه ، وإن كان مما يخفى مثله عليه ، فلا ، ولا بد أن يكون التقرير على القول والفعل منه صلى الله عليه وآله وسلم ، مع قدرته على الإنكار . كذا قال جماعة من الأصوليين ، وخالفهم جماعة من الفقهاء فقالوا : إن من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم عدم سقوط وجوب تغيير المنكر بالخوف على النفس ; لإخبار الله سبحانه بعصمته في قوله :
والله يعصمك من الناس ، ولا بد أن يكون المقرر منقادا للشرع ، فلا يكون تقرير الكافر على قول أو فعل دالا على الجواز .
قال
الجويني : ويلحق بالكافر المنافق ، وخالفه
المازري ، وقال : إنا نجري على المنافق أحكام الإسلام ظاهرا ; لأنه من أهل الإسلام في الظاهر .
وأجيب عنه : بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيرا ما يسكت عن المنافقين ; لعلمه أن الموعظة لا تنفعهم .
وإذا وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاستبشار بفعل أو قول ، فهو أقوى في الدلالة على الجواز .