[ ص: 212 ] فصل : الحديث الصحيح
الصحيح من الحديث : هو ما اتصل إسناده بنقل عدل ضابط من غير شذوذ ولا علة قادحة .
فما لم يكن متصلا ليس بصحيح ، ولا تقوم به الحجة ، ومن ذلك المرسل ، وهو أن يترك التابعي الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا اصطلاح جمهور أهل الحديث .
وأما جمهور أهل الأصول فقالوا :
المرسل : قول من لم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء كان من التابعين ، أو من تابعي التابعين ، أو ممن بعدهم .
وإطلاق المرسل على هذا ، وإن كان اصطلاحا ، ولا مشاحة فيه ، لكن محل الخلاف هو المرسل باصطلاح أهل الحديث ، فذهب الجمهور إلى ضعفه ، وعدم قيام الحجة به ; لاحتمال أن يكون التابعي سمعه من بعض التابعين ، فلم يتعين أن الواسطة صحابي لا غير حتى يقال : قد تقرر أن الصحابة عدول ، فلا يضر حذف الصحابي ، وأيضا يحتمل أنه سمعه من مدع يدعي أن له صحبة ولم تصح صحبته .
وذهب جماعة منهم
أبو حنيفة وجمهور
المعتزلة واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي إلى قبوله وقيام الحجة به ، حتى قال بعض القائلين بقبول المرسل : إنه أقوى من المسند لثقة التابعي بصحته ; ولهذا أرسله ، وهذا غلو خارج عن الإنصاف .
والحق عدم القبول لما ذكرنا من الاحتمال .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي وفصل
nindex.php?page=showalam&ids=16739عيسى بن أبان فقبل
مراسيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، دون من عداهم ولعله يستدل على هذا بحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338028خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب وقيد هذا من قال به بأن يكون الراوي من
[ ص: 213 ] أئمة النقل ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب ، فإنه قال : فإن كان من أئمة النقل قبل ، وإلا فلا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لا خلاف في أنه لا يجوز العمل بالمرسل إذا كان مرسله غير محترز يرسل عن غير الثقات ، قال : وهذا الاسم واقع بالإجماع على حديث التابعي الكبير ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مثل أن يقول
nindex.php?page=showalam&ids=5414عبيد الله بن عدي بن الخيار أو
nindex.php?page=showalam&ids=131أبو أمامة بن سهل بن حنيف أو
nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة ومن كان مثلهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك من دون هؤلاء
nindex.php?page=showalam&ids=15990كسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبي سلمة بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد ومن كان مثلهم وكذلك
علقمة nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق بن الأجدع والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي [ ص: 214 ] nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ومن كان مثلهم الذين صح لهم لقاء جماعة من الصحابة ، ومجالستهم ، ونحوه مرسل من دونهم ، كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري وقتادة وأبي حازم nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيسمى مرسلا ، كمرسل كبار التابعين .
وقال آخرون : حديث هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمى منقطعا ; لأنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين ، وأكثر روايتهم عن التابعين ، انتهى .
وفي هذا التمثيل نظر
nindex.php?page=showalam&ids=131فأبو أمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن عامر معدودان في الصحابة ، وأيضا قوله في آخر كلامه : إن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ومن ذكر معه لم يلقوا إلا الواحد والاثنين من الصحابة غير صحيح : فقد لقي
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أحد عشر رجلا من الصحابة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أيضا : وأصل مذهب
مالك وجماعة من أصحابه أن مرسل الثقة يجب به الحجة ، ويلزم به العمل ، كما يجب بالمسند سواء ، قال طائفة من أصحابنا :
مراسيل الثقات مقبولة بطريق أولى ، واعتلوا بأن من أسند لك فقد أحالك على البحث عن أحوال من سماه لك ، ومن أرسل من الأئمة حديثا مع علمه ودينه وثقته ، فقد قطع لك بصحته .
قال : والمشهور أنهما سواء في الحجة ; لأن السلف فعلوا الأمرين ، قال : وممن ذهب إليه
أبو الفرج عمر بن محمد المالكي nindex.php?page=showalam&ids=13658وأبو بكر الأبهر وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16935أبي جعفر الطبري ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل ، ولم يأت عنهم إنكاره ، ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين . انتهى .
ويجاب عن قوله : من أرسل من علمه ودينه وثقته فقد قطع لك بصحته ، إن الثقة قد يظن من ليس بثقة ثقة ، عملا بالظاهر ، ويعلم غيره من حاله ما يقدح فيه ، والجرح مقدم على التعديل .
[ ص: 215 ] ويجاب عن قول
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : إنه لم ينكره أحد إلى رأس المائتين بما رواه
مسلم في مقدمة صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه لم يقبل مرسل بعض التابعين ، مع كون ذلك التابعي ثقة محتجا به في الصحيحين ، وبما نقله
مسلم أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، أنه قال : كانوا لا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قيل : سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ عنهم ، وإلى أهل البدع فلا يؤخذ عنهم .
ونقل الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=14070أبو عبد الله الحاكم : أن المرسل ليس بحجة عن إمام التابعين
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس وجماعة من أهل الحديث ، ونقله غيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وصح ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك وغيره .
قال
الخطيب : لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بتدليس هو رواية الراوي عمن لم يعاصره ، أو لم يلقه كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري وقتادة وغيرهم من التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه قيل : هو مقبول إذا كان المرسل ثقة عدلا ، وهو قول
مالك وأهل المدينة
وأبي حنيفة وأهل العراق وغيرهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجب العمل وعليه أكثر الأئمة .
واختلف مسقطو العمل بالمرسل في قبول رواية الصحابة خبرا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يسمعه منه ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال
لمعاذ nindex.php?page=hadith&LINKID=10338029من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة الحديث ،
[ ص: 216 ] فقال بعض من لا يقبل مراسيل الصحابة : لا نشك في عدالتهم ، ولكنه قد يروي الراوي عن تابعي أو عن أعرابي لا نعرف صحبته ، ولو قال : لا أروي لكم إلا من سماعي ، أو من صحابي لوجب علينا قبول مرسله .
وقال آخرون : مراسيل الصحابة كلهم مقبولة لكون جميعهم عدولا ، وأن الظاهر فيما أرسلوه أنهم سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو من صحابي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما ما رووه عن التابعين فقد بينوه ، وهو أيضا قليل نادر ، لا اعتبار به ، قال : وهذا هو الأشبه بالصواب ، ثم رجح عدم قبول مراسيل غير الصحابة ، فقال : والذي نختاره سقوط فرض الله بالمرسل بجهالة راويه ، ولا يجوز قبول الخبر إلا عمن عرفت عدالته ، ولو قال المرسل : حدثني العدل الثقة عندي بكذا لم يقبل حتى يذكر اسمه .