[ ص: 64 ] المسألة الثالثة
إن التكليف بالفعل - والمراد به أثر القدرة الذي هو الأكوان لا التأثير الذي هو أحد الأعراض النسبية - ثابت قبل حدوثه اتفاقا وينقطع بعده اتفاقا ، ولا اعتبار بخلاف من خالف في الطرفين ، فهو بين السقوط ، وما قالوه من أنه لو انقطع انعدم الطلب القائم بذات الله سبحانه ، وصفاته أبدية ، فهو مردود بأن كلامه سبحانه واحد ، والتعدد في العوارض الحادثة من التعلق ككونه أمرا أو نهيا ، وانتفاؤهما لا يوجب انتفاء .
واختلفوا هل التكليف به باق حال حدوثه أم لا ؟ فقال جمهور
الأشعرية : هو باق ، وقالت
المعتزلة والجويني : ليس بباق . وليس مراد من قال بالبقاء أن تعلق التكليف بالفعل لنفسه إذ لا انقطاع له أصلا ، ولا أن تنجيز التكليف باق ; لأن
التكليف بإيجاد الموجود محال ; لأنه طلب يستدعي مطلوبا غير حاصل ، وهو تكليف بالمحال ، ولا أن القدرة مع الفعل ، لاستلزامه أن لا تكليف قبله ، وهو خلاف المعقول وخلاف الإجماع ، فإن القاعد مكلف بالقيام إلى الصلاة ، بل مرادهم : أن التكليف باق عند التأثير ، لكن التأثير عين الأثر عندهم .
واستدلوا بأن الفعل مقدور حال حدوثه ; لأنه أثر القدرة فيوجد معها ، وإذا كان مقدورا حينئذ فيصح التكليف به ; لأنه لا مانع إلا عدم القدرة ، وقد انتفى .
وأجيب : بأنه يلزم التكليف بإيجاد الموجود ، وهو محال .
ويرد : بأن ذلك لا يلزم لأن المحال إنما هو إيجاد الموجود بوجود سابق لا بوجود حاصل .