[ ص: 259 ] البحث الثامن : في
حجية إجماع أهل المدينة إجماع
أهل المدينة على انفرادهم ليس بحجة عند الجمهور ; لأنهم بعض الأمة .
وقال
مالك إذا أجمعوا لم يعتد بخلاف غيرهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب اختلاف الحديث : قال بعض أصحابنا : إنه حجة ، وما سمعت أحدا ذكر قوله إلا عابه ، وإن ذلك عندي معيب .
وقال
الجرجاني : إنما أراد
مالك الفقهاء السبعة وحدهم ، والمشهور عنه الأول .
ويشكل على ما روي عن
مالك من حجية
إجماع أهل المدينة أنه نقل في الموطأ في باب العيب في الرقيق ، إجماع
أهل المدينة ، على أن البيع بشرط البراءة لا يجوز ، ولا يبرئ من العيب أصلا علمه أو جهله ، ثم خالفهم فلو كان يرى أن إجماعهم حجة لم تسع مخالفته .
وقال
الباجي : إنما أراد ذلك بحجية إجماع
أهل المدينة ، فيما كان طريقه النقل المستفيض ، كالصاع ، والمد ، والأذان ، والإقامة ، وعدم وجوب الزكاة في الخضروات ، مما تقتضي العادة بأن يكون في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه لو تغير عما كان عليه لعلم ، فأما مسائل الاجتهاد فهم وغيرهم سواء ، وحكاه
القاضي في التقريب عن شيخه
الأبهري ، وقيل : يرجح نقلهم عن نقل غيرهم .
وقد أشار
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى هذا في القديم ، ورجح رواية
أهل المدينة على غيرهم ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا وجدت متقدمي
أهل المدينة على شيء ، فلا يدخل في قلبك شك أنه الحق ، وكلما جاءك شيء غير ذلك فلا تلتفت إليه ، ولا تعبأ به .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب : إجماع
أهل المدينة على ضربين ، نقلي واستدلالي ، فالأول على ثلاثة أضرب ، منه نقل شرع مبتدأ من جهة النبي صلى الله عليه
[ ص: 260 ] وسلم ، من قول ، أو فعل ، أو إقرار .
فالأول : كنقلهم الصاع والمد والأذان والإقامة والأوقات والأجناس ونحوهن .
والثاني : نقلهم المتصل كعهدة الرقيق ، وغير ذلك .
والثالث : كتركهم أخذ الزكاة من الخضروات ، مع أنها كانت تزرع
بالمدينة ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء بعده لا يأخذونها منها ، قال : وهذا النوع من إجماعهم حجة يلزم عندنا المصير إليه ، وترك الأخبار والمقاييس به ، لا اختلاف بين أصحابنا فيه .
قال : والثاني وهو إجماعهم من طريق الاستدلال فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ليس بإجماع ولا بمرجح ، وهو قول
أبي بكر وأبي يعقوب الرازي والقاضي أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=13428وابن فورك والطيالسي وأبي الفرج والأبهري ، وأنكر كونه مذهبا
لمالك .
ثانيها : أنه مرجح ، وبه قال بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ثالثها : أنه حجة وإن لم يحرم خلافه ، وإليه ذهب
قاضي القضاة أبو الحسين بن عمر . قال
أبو العباس القرطبي : أما الضرب الأول فينبغي أن لا يختلف فيه ; لأنه من باب النقل المتواتر ، ولا فرق بين القول والفعل والإقرار ، كل ذلك نقل محصل للعلم القطعي ، فإنهم عدد كثير وجم غفير تحيل العادة عليهم التواطؤ على خلاف الصدق ، ولا شك أن ما كان هذا سبيله أولى من أخبار الآحاد والأقيسة والظواهر .
ثم قال : والنوع الاستدلالي إن عارضه خبر فالخبر أولى عند جمهور أصحابنا ، وقد صار جماعة من أصحابنا إلى أنه أولى من الخبر ، بناء منهم على أنه إجماع ، وليس بصحيح ; لأن المشهود له بالعصمة إجماع كل الأمة لا بعضها .
وإجماع أهل الحرمين مكة والمدينة ، وأهل المصرين
البصرة والكوفة ، ليس بحجة ; لأنهم بعض الأمة ، وقد زعم بعض أهل الأصول أن إجماع أهل الحرمين والمصرين حجة ، ولا وجه لذلك ، وقد قدمنا قول من قال بحجية
إجماع أهل المدينة ، فمن قال بذلك فهو قائل بحجية إجماع
أهل مكة والمدينة والمصرين بالأولى .
قال
القاضي : وإنما خصوا هذه المواضع يعني القائلين بحجية إجماع أهلها ; لاعتقادهم تخصيص الإجماع بالصحابة ، وكانت هذه البلاد مواطن الصحابة ما خرج منها إلا الشذوذ .
قال
الزركشي : وهذا صريح بأن القائلين بذلك لم يعمموا في كل عصر ، بل
[ ص: 261 ] في عصر الصحابة فقط ، قال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي قيل ، إن المخالف أراد زمن الصحابة والتابعين ، فإن كان هذا مراده فمسلم لو اجتمع العلماء في هذه البقاع ، وغير مسلم أنهم اجتمعوا فيها .
وذهب الجمهور إلى أن إجماع الأئمة الأربعة
أبي حنيفة ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد ليس بحجة ; لأنهم بعض الأئمة ، وذهب الجمهور أيضا إلى إجماع الخلفاء الأربعة ليس بحجة ; لأنهم بعض الأمة .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه حجة لما ورد ما يفيد ذلك كقوله صلى الله عليه وآله وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338047عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين وقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338048اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وهما حديثان صحيحان ونحو ذلك .
وأجيب : بأن في الحديثين دليلا على أنهم أهل للاقتداء بهم ، لا على أن قولهم حجة على غيرهم ، فإن المجتهد مستعبد بالبحث عن الدليل حتى يظهر له ما يظنه حقا ، ولو كان مثل ذلك يفيد حجية قول الخلفاء أو بعضهم ، لكان حديث
رضيت لأمتي ما رضي لها nindex.php?page=showalam&ids=10ابن أم عبد يفيد حجية قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338050إن nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة يفيد حجية قوله وهما حديثان صحيحان ، وهكذا حديث
[ ص: 262 ] أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم يفيد حجية قول كل واحد منهم ، وفيه مقال معروف ; لأن في رجاله
nindex.php?page=showalam&ids=16357عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه ، وهما ضعيفان جدا ، بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين : إن
عبد الرحيم كذاب .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : متروك ، وكذا قال
أبو حاتم وله طريق أخرى فيها
حمزة النصيبي ، وهو ضعيف جدا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : منكر الحديث ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين : لا يساوي فلسا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي : عامة مروياته موضوعة ، وروي أيضا من طريق
جميل بن زيد وهو مجهول .
اجتماع العترة
وذهب الجمهور أيضا إلى أن إجماع العترة وحدها ليس بحجة ، وقالت
الزيدية والإمامية هو حجة ، واستدلوا بقوله تعالى :
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا والخطأ رجس فوجب أن يكونوا مطهرين عنه .
[ ص: 263 ] وأجيب : بأن سياق الآية يفيد أنه في نسائه صلى الله عليه وآله وسلم .
ويجاب عن هذا الجواب : بأنه قد ورد الدليل الصحيح أنها نزلت في
علي وفاطمة والحسنين ، وقد أوضحنا الكلام في هذا في تفسيرنا الذي سميناه فتح القدير فليرجع إليه ، ولكن لا يخفاك أن كون الخطأ رجس لا يدل عليه لغة ولا شرع ، فإن معناه في اللغة القذر ، ويطلق في الشرع على العذاب ، كما في قوله سبحانه
قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب وقوله
من رجز أليم والرجز : الرجس . واستدلوا بمثل قوله
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى وبأحاديث كثيرة جدا تشتمل على مزيد شرفهم وعظيم فضلهم ، ولا دلالة فيها على حجية قولهم ، وقد أبعد من استدل بها على ذلك وقد عرفناك في حجية إجماع أهل الأمة ما هو الحق ، ووروده على القول بحجية بعضها أولى .