[ ص: 269 ] البحث الثالث عشر : في
حدوث الإجماع بعد سبق الخلاف
قال
الرازي في المحصول : إذا اتفق أهل العصر الثاني على أحد قولي أهل العصر الأول ، كان ذلك إجماعا لا تجوز مخالفته خلافا لكثير من المتكلمين ، وكثير من فقهاء الشافعية والحنفية .
وقيل هذه المسألة على وجهين :
أحدهما : أن لا يستقر الخلاف ، وذلك بأن يكون أهل الاجتهاد في مهلة النظر ، ولم يستقر لهم قول كخلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في قتال مانعي الزكاة ، وإجماعهم عليه بعد ذلك ، فقال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي في اللمع : صارت المسألة إجماعية بلا خلاف ، وحكى
الجويني والهندي أن
الصيرفي خالف في ذلك .
الوجه الثاني : أن يستقر الخلاف ، ويمضي عليه مدة ، فقال
القاضي أبو بكر بالمنع ، وإليه مال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ونقله
ابن برهان في الوجيز عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجزم به الشيخ
أبو إسحاق في اللمع ونقل
الجويني عن أكثر أهل الأصول الجواز واختاره
الرازي nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي ، وقيل بالتفصيل ، وهو الجواز فيما كان دليل خلافه الأمارة والاجتهاد ، دون ما كان دليل خلافه القاطع عقليا كان أو نقليا ، ونقل الأستاذ
أبو منصور إجماع أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أنه حجة ، وبذلك جزم
الماوردي nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني .
فأما لو وقع الخلاف بين عصر ثم ماتت إحدى الطائفتين من المختلفين ، وبقيت الطائفة الأخرى ، فقال الأستاذ
أبو إسحاق إنه يكون قول الباقين إجماعا ، واختاره
الرازي والهندي ، قال
الرازي في المحصول : لأن بالموت ظهر اندراج قول ذلك القسم وحده تحت أدلة الإجماع .
ورجح
القاضي في التقريب ، أنه لا يكون إجماعا ، قال : لأن الميت في حكم الباقي الموجود ، والباقون هم بعض الأمة ، لا كلها ، وجزم به الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=16392أبو منصور البغدادي في كتاب الجدل ، وكذا
الخوارزمي في الكافي ، وحكى
أبو بكر الرازي في هذه المسألة قولا ثالثا ،
[ ص: 270 ] فقال : إن لم يسوغوا فيه الاختلاف صار حجة ; لأن قول الطائفة المتمسكة بالحق لا يخلو منه زمان ، وقد شهدت ببطلان قول المنقرضة ، فوجب أن يكون قولها حجة ، وإن سوغوا فيه الاجتهاد لم يصر إجماعا ، لإجماع الطائفتين على تسويغ الخلاف .