البحث الموفى عشرين : في
حجية الإجماع المنقول بطريق الآحاد
الإجماع المنقول بطريق الآحاد حجة ، وبه قال
الماوردي وإمام الحرمين
nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي ، ونقل عن الجمهور اشتراط عدد التواتر ، وحكى
الرازي في المحصول عن الأكثر أنه ليس
[ ص: 277 ] بحجة فقال : الإجماع المروي بطريق الآحاد حجة خلافا لأكثر الناس ; لأن ظن وجوب العمل به حاصل فوجب العمل به دفعا للضرر المظنون ، ولأن الإجماع نوع من الحجة ، فيجوز التمسك بمظنونه ، كما يجوز بمعلومه قياسا على السنة ، ولأنا بينا أن أصل الإجماع فائدة ظنية فكذا القول في تفاصيله . انتهى .
وأما
عدد أهل الإجماع : فقيل لا يشترط بلوغهم عدد التواتر خلافا
للقاضي ، ونقل ونقل
ابن برهان عن معظم العلماء ، أنه يجوز انحطاط عددهم عقلا عن عدد التواتر ، وعن طوائف من المتكلمين ، أنه لا يجوز عقلا ، وعلى القول بالجواز ، فهل يكون إجماعهم حجة أم لا ؟ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه حجة ، وهو قول الأستاذ
أبي إسحاق ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني : يجوز ، ولكن لا يكون إجماعهم حجة .
قال
الصفي الهندي : المشترطون اختلفوا ، فقيل : إنه لا يتصور أن ينقص عدد المجمعين عند عدد التواتر ما دام التكليف بالشريعة باقيا ، ومنهم من زعم أن ذلك ، وإن كان يتصور لكن يقطع بأن ما ذهب إليه دون عدد التواتر ليس سبيل المؤمنين ; لأن إخبارهم عن إيمانهم لا يفيد القطع فلا تحرم مخالفته ، ومنهم من زعم أنه وإن أمكن أن يعلم إيمانهم بالقرائن لا يشترط ذلك فيه ، بل يكفي فيه الظهور ، لكن الإجماع إنما يكون حجة لكونه كاشفا عن دليل قاطع وهو يوجب كونه متواترا ، وإلا لم يكن قاطعا فيما يقوم مقام نقله متواترا ، وهو الحكم بمقتضاه يجب أن يكون صادرا عن عدد التواتر ، وإلا لم يقطع بوجوده .
قال الأستاذ :
وإذا لم يبق في العصر إلا مجتهد واحد فقوله حجة كالإجماع ، ويجوز أن يقال للواحد أمة ، كما قال تعالى :
إن إبراهيم كان أمة أمة ونقله
الصفي الهندي عن الأكثرين .
قال
الزركشي في
البحر : وبه جزم
ابن سريج في كتاب
الودائع ، فقال : وحقيقة الإجماع ، هو القول بالحق ، ولو من واحد ، فهو إجماع ، وكذا إن حصل من اثنين أو ثلاثة .
والحجة على أن الواحد إجماع ما اتفق عليه الناس في
أبي بكر رضي الله عنه لما منعت بنو حنيفة الزكاة فكانت مطالبة
أبي بكر لها حقا عند الكل ، وما انفرد لمطالبتها غيره ، هذا كلامه ، وخلاف إمام الحرمين فيه أولى ، وهو الظاهر ; لأن الإجماع
[ ص: 278 ] لا يكون إلا من اثنين فصاعدا ، ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنه حجة .
قال
إلكيا المسألة مبنية على تصور اشتمال العصر على المجتهد الواحد ، والصحيح تصوره ، وإذا قلنا به ففي انعقاد الإجماع بمجرد قوله خلاف ، وبه قال الأستاذ
أبو إسحاق ، قال : والذي حمله على ذلك أنه لم ير في اختصاص الإجماع بمحل معنى يدل عليه ، فسوى بين العدد والفرد ، وأما المحققون سواه فإنهم يعتبرون العدد ، ثم يقولون المعتبر عدد التواتر ، فإذا مستند الإجماع مستند إلى طرد العادة بتوبيخ من يخالف العصر الأول ، وهو يستدعي وفور عدد من الأولين ، وهذا لا يتحقق فيما إذا كان في العصر إلا مجتهد واحد ، فإنه لا يظهر فيه استيعاب مدارك الاجتهاد .