[ ص: 327 ] الفصل العاشر : في كون الأمر بالماهية الكلية يقتضي الأمر بها أو بشيء من جزئياتها
اختلفوا
هل الأمر بالماهية الكلية يقتضي الأمر بها ، أو بشيء من جزئياتها على التعيين ، أم هو أمر بفعل مطلق تصدق عليه الماهية ، ويخبر ويخبر به عنها صدق صدق الكلي على جزئياته من غير تعيين ؟ ؟
فذهب الجمهور إلى الثاني .
وقال بعض الشافعية بالأول . احتج الأولون : بأن الماهية الكلية يستحيل وجودها في الأعيان فلا تطلب تطلب ، وإلا امتنع الامتثال ، وهو خلاف الإجماع .
ووجه ذلك : أنها لو وجدت وجدت في الأعيان لزم تعددها كلية في ضمن الجزئية ، فمن حيث إأنها موجودة تكون شخصية جزئية ، ومن حيث إنها الماهية الكلية تكون كلية ، وأإنه محال ، فمن قال لآخر بع هذا الثوب ، فإن هذا لا يكون أمرا ببيعه بالغبن ، ولا بالثمن الزائد ، ولا بالثمن المساوي ; لأن هذه الأنواع مشتركة في مسمى البيع ، وتمييزه وتمييزه كل واحد منها بخصوص كونه بالغبن ، أو بالثمن الزائد ، أو المساوي ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، وغير مستلزم له ، فالأمر بالبيع الذي هو جهة الاشتراك لا يكون أمرا بما به يمتاز كل واحد من من الأنواع عن الآخر ، بالذات ولا بالاستلزام ، وإذا كان كذلك فالأمر بالجنس لا يكون األبتة أمرا بشيء من أنواعه ، لكن إذا دلت القرينة على إرادة بعض الأنواع حمل حمل اللفظ عليه .
قال في المحصول : وهذه قاعدة شريفة برهانية ينحل بها كثير من من القواعد الفقهية إن شاء الله .
ومما يوضح المقام ، ويحصل به المرام من هذا الكلام ما ذكره أهل علم المعقول من أن الماهيات ثلاث :
[ ص: 328 ] الأول : الماهية لا بشرط شيء من القيود ، ولا بشرط عدمها ، وهي التي يسميها أهل المنطق الماهية المطلقة ، ويسمونها الكلي الطبيعي ، والخلاف في وجودها في الخارج معروف ، والحق أن وجود الطبيعي بمعنى وجود أشخاصه .
والثانية : الماهية بشرط لا شيء ، أي بشرط خلوها عن القيود ، ويسمونها الماهية المجردة ، ولا خلاف بينهم في أنها لا توجد في الخارج .
والثالثة : الماهية بشرط شيء من القيود ، ولا خلاف في وجودها في الخارج .
وتحقيقه أن الماهية قد تؤخذ بشرط أن تكون مع بعض العوارض كالإنسان بقيد الوحدة ، فلا يصدق يصدق على المتعدد وبالعكس ، وكالمقيد بهذا الشخص ، فلا يصدق يصدق على فرد آخر ، وتسمى الماهية المخلوطة ، والماهية بشرط شيء ، ولا ارتياب في وجودها في الأعيان ، وقد تؤخذ بشرط التجرد عن جميع العوارض ، وتسمى المجردة ، والماهية بشرط لا شيء ، ولا خفاء في أنها لا توجد في الأعيان ، بل في الأذهان ، وقد تؤخذ لا بشرط أن تكون مقارنة أو مجردة ، بل مع تجويز أن يقارنها شيء من العوارض ، وأن لا يقارنها يقارنها ، وتكون مقولا على المجموع حال المقارنة ، وهي الكلي الطبيعي ، والماهية لا بشرط شيء ، والحق وجودها في الأعيان لكن لا من حيث كونها كونها جزءا من الجزئيات المحققة على ما هو رأي الأكثرين ، بل من حيث إنه يوجد شيء تصدق تصدق هي عليه ، وتكون عينه بحسب بحسب الخارج ، وإن تغايرا بحسب بحسب المفهوم وبمجموع ما ذكرناه يظهر لك بطلان قول من قال : إن الأمر بالماهية الكلية يقتضي الأمر بها ، ولم يأتوا بدليل يدل على ذلك دلالة مقبولة .