تهذيب الكمال في أسماء الرجال

المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

صفحة جزء
1097 - (بخ) : حبيب بن محمد العجمي ، أبو محمد البصري ، أحد الزهاد المشهورين الموصوفين بالزهد والورع والكرامات واستجابة الدعاء .

روى عن : بكر بن عبد الله المزني (بخ) ، والحسن البصري ، وشهر بن حوشب ، وأبي تميمة طريف بن مجالد الهجيمي ، والفرزدق الشاعر ومحمد بن سيرين .

روى عنه : أبو زكريا إسماعيل بن يونس الصائغ ، وجعفر بن سليمان الضبعي ، والحارث بن موسى الطائي ، وحزم بن أبي حزم القطعي ، والحسن بن أبي جعفر ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن عطية العدوي من بلعدوية ، والسري بن يحيى ، وسليمان التيمي ، وهو من أقرانه ، وصالح المري ، وعبد الواحد بن زيد ، وعثمان بن الهيثم المؤذن ، وعلي بن الفضل ، وكثير بن بشار أبو الفضل ، ومعتمر بن سليمان (بخ) ، ومعلى الوراق ويزيد بن [ ص: 390 ] يزيد الخثعمي ، وأبو جعفر السائح ، وأبو عبد الله الشحام ، وأبو عوانة .

قال محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي ، عن جعفر بن أبي جعفر الرازي ، حدثني أبو جعفر السائح قال : كان حبيب رجلا تاجرا يعير الدراهم فمر ذات يوم بصبيان يلعبون فقال بعضهم : قد جاء آكل الربا فنكس رأسه ، وقال : يا رب أفشيت سري إلى الصبيان فرجع فلبس مدرعة من شعر وغل يده ووضع ماله بين يديه وجعل يقول : يا رب إني أشتري نفسي منك بهذا المال فأعتقني ، فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة ، فلم ير إلا صائما أو قائما أو ذاكرا أو مصليا ، فمر ذات يوم بأولئك الصبيان الذين كانوا عيروه بأكل الربا فلما نظروا إليه قال بعضهم : اسكتوا فقد جاء حبيب العابد فبكى ، وقال يا رب أنت تذم مرة وتحمد مرة فكل من عندك فبلغ من فضله أنه كان يقال : إنه مستجاب الدعاء .

وأتاه الحسن هاربا من الحجاج فقال الحسن : يا أبا محمد احفظني من الشرط على أثري ، فقال : استحييت لك يا أبا سعيد ليس بينك وبين ربك من الثقة ما تدعو فيسترك من هؤلاء ، ادخل البيت فدخل ، ودخل الشرط على أثره ، فقالوا يا أبا محمد دخل الحسن ها هنا قال : بيتي فادخلوا فدخلوا فلم يروا الحسن في البيت فذكروا ذلك للحجاج فقال : بلى كان [ ص: 391 ] في بيته ولكن الله طمس أعينكم فلم تروه .

وقال عبد العزيز بن معاوية القرشي ، عن قيس بن حفص ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : ما رأيت أحدا قط أعبد من الحسن ، وما رأيت أحدا قط أورع من محمد بن سيرين ، وما رأيت أحدا قط أزهد من مالك بن دينار ، ولا رأيت أحدا قط أخشع لله من محمد بن واسع ، ولا رأيت أحدا قط أصدق يقينا من حبيب أبي محمد .

وقال أبو يحيى عبد الصمد بن الفضل البلخي : حدثني إبراهيم بن يوسف ، عن شيخ بصري ، عن عبد الواحد بن زيد قال : كان في حبيب العجمي خصلتان من خصال الأنبياء : النصيحة والرحمة .

قال أبو يحيى : هذا الشيخ أبو علي القياس .

وقال داود بن المحبر ، عن عبد الواحد بن زيد : كنا عند مالك بن دينار ، ومعنا محمد بن واسع ، وحبيب أبو محمد ، فجاء رجل فكلم مالكا فأغلظ له في قسمة قسمها ، قال : وضعتها في غير حقها وتتبعت بها أهل مجلسك ، ومن يغشاك لتكثر غاشيتك ، وتصرف وجوه الناس إليك ، قال : فبكى مالك ، وقال والله ما أردت هذا قال : بلى والله لقد أردته ، فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له فلما أكثر ذلك عليهم ، رفع حبيب يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت ، قال فسقط والله الرجل على وجهه ميتا فحمل [ ص: 392 ] إلى أهله على سرير ، وكان يقول : إن أبا محمد مستجاب الدعوة .

وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني ، فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير ، عن القاضي أبي المكارم اللبان إذنا عن أبي علي الحداد ، عنه حدثنا أبو محمد بن حيان ، قال : حدثنا محمد بن العباس بن أيوب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، قال حدثني السري بن يحيى قال : كان حبيب أبو محمد يرى بالبصرة يوم التروية ويرى بعرفة عشية عرفة .

وبه ، قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : أخبرت عن سيار بن حاتم ، قال : حدثنا جعفر قال : سمعت حبيبا أبا [ ص: 393 ] محمد يقول : والله إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز ، ولو أن الله دعاني يوم القيامة ، فقال يا حبيب فقلت لبيك فقال جئني بصلاة يوم أو صوم يوم أو ركعة أو تسبيحة أو سجدة أبقيت عليها من إبليس أن لا يكون طعن فيها طعنة فأفسدها ، ما استطعت أن أقول نعم أي رب قال : وسمعت حبيبا أبا محمد يقول : لا تقعدوا فراغا فإن الموت يلزكم .

وبه ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر المؤدب ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا علي بن مسلم ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال كنا ننصرف من مجلس ثابت البناني ، فنأتي حبيبا أبا محمد فيحث علي الصدقة ، فإذا وقعت قام فتعلق بقرن معلق في بيته ، ثم يقول :

ها قد تغديت وطابت نفسي فليس في الحي غلام مثلي إلا غلام قد تغدى قبلي .

سبحانك وحنانيك ، خلقت فسويت ، وقدرت فهديت ، وأعطيت فأغنيت ، وأقنيت وعافيت ، وعفوت وأعطيت ، فلك الحمد على ما أعطيت حمدا كثيرا طيبا مباركا ، حمدا لا ينقطع أولاه ، ولا ينفد أخراه ، حمدا أنت منتهاه ، وتكون الجنة عقباه ، أنت الكريم الأعلى ، وأنت جزل العطاء ، وأنت أهل النقمات ، وأنت ولي الحسنات ، وأنت الجليل الرحمن ، لا يحفيك سائل ، ولا ينقصك نائل ، ولا يبلغ مدحك ، قول قائل ، سجد وجهي لوجهك الكريم ، ثم يخر فيسجد ونسجد معه ، ثم يفرق الصدقة ، على من حضره من المساكين .

[ ص: 394 ] وبه ، قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : أخبرت عن سيار ، قال : حدثنا جعفر قال : كان حبيب أبو محمد رقيقا من أكثر الناس بكاء ، فبكى ذات ليلة بكاء كثيرا فقالت عمرة بالفارسية : كم تبكي يا أبا محمد؟ فقال لها حبيب بالفارسية : دعيني فإني أريد أن أسلك طريقا لم أسلكه قبل ، إلى هنا عن الحافظ أبي نعيم .

وقال أبو بكر أحمد بن مرزوق الدينوري ، أخبرنا الحسن بن علي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله عن عبد الواحد بن زيد أن حبيبا أبا محمد جزع جزعا شديدا عند الموت فجعل يقول : بالفارسية : أريد أسافر سفرا ما سافرته قط ، أريد أن أسلك طريقا ما سلكته قط ، أريد أن أزور سيدي ومولاي ما رأيته قط ، أريد أن أشرف على أهوال ما رأيت مثلها قط ، أريد أن أدخل تحت التراب وأبقى إلى يوم القيامة ، ثم أوقف بين يدي الله عز وجل فأخاف أن يقول لي : يا حبيب هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء ، فماذا أقول ، وليس لي حيلة؟ أقول : يا رب هو ذا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي .

قال عبد الواحد : هذا عبد الله ستين سنة مشتغلا به ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط فأيش يكون حالنا؟ واغوثاه بالله !! .

وقال سعيد بن عامر الضبعي ، عن أبي الفضل كثير بن [ ص: 395 ] يسار ، قال دخلنا على حبيب أبي محمد ، وهو بالموت فقال : أريد أن آخذ طريقا لم أسلكه قط ، لا أدري ما يصنع بي ، قلت : أبشر يا أبا محمد أرجو أن لا يفعل بك إلا خيرا ، قال ما يدريك ليت تلك الكسرة الخبز التي أكلناها لا تكون سما علينا ! .

وقال عبيد الله بن محمد بن عائشة ، عن أبي زكريا الصائغ ، قالت امرأة حبيب : كان يقول : إن مت في اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني ، وافعلي كذا ، واصنعي كذا ، فقيل لامرأته : أري رؤيا؟ فقالت : هذا يقوله في كل يوم .

روى له البخاري في " الأدب " ، عن بكر بن عبد الله المزني ، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية