تهذيب الكمال في أسماء الرجال

المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

صفحة جزء
[ ص: 358 ] 2245 - (ع) : سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي ، مولاهم ، أبو محمد ، ويقال : أبو عبد الله الكوفي . ووالبة هو ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة ، فيما قاله له محمد بن حبيب .

روى عن : أنس بن مالك (د س) ، والضحاك بن قيس الفهري ، [ ص: 359 ] وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس (ع) ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب (ع) ، وعبد الله بن مغفل (م ق) ، وعدي بن حاتم (ت س) ، وعمرو بن ميمون الأودي (خ) ، وأبي سعيد الخدري (ت) ، وأبي عبد الرحمن السلمي (خ م س) ، وأبي مسعود الأنصاري ، وأبي موسى الأشعري (س) ، وأبي هريرة ، وعائشة .

روى عنه : آدم بن سليمان والد يحيى بن آدم (م ت س) ، وأسلم المنقري (ل) ، وأشعث بن أبي الشعثاء (س) ، وأيفع (س) ، وأيوب السختياني (ع) ، وبكير بن شهاب (ت س) ، وثابت بن عجلان (خ س) ، وأبو المقدام ثابت بن هرمز الحداد (فق) ، وجعفر بن أبي المغيرة (بخ د ت س فق) ، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية (ع) وحبيب بن أبي ثابت (ع) ، وحبيب بن أبي عمرة (خت م خد ت س) ، وحسان بن أبي الأشرس (س) ، وحصين بن عبد الرحمن (خ م ت س) ، والحكم بن عتيبة (خ م د س ق) ، وحماد بن أبي سليمان (س) ، وحنظلة بن أبي حمزة (قد) ، وخصيف بن عبد الرحمن الجزري (د ت س) ، وذر بن عبد الله الهمداني (خ ت س) ، وذكوان أبو صالح السمان (د) ، والزبير بن موسى (قد) ، وزيد العمي (ق) ، وسالم الأفطس (خ مد س ق) ، وسلمة بن كهيل (م ت س ق) ، وسليمان بن أبي المغيرة الكوفي (ق) ، وسليمان الأحول (خ م د س) ، وسليمان الأعمش (خ م س) ، وسماك بن حرب (م د ت س) ، وأبو سنان ضرار بن مرة الشيباني (بخ) ، وطارق بن عبد الرحمن البجلي (ت) ، وطلحة بن مصرف (خ م د س) ، وأبو سفيان طلحة بن نافع (ق) ، وعباد (س) على خلاف فيه ، وأبو حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان (س) ، وابنه عبد الله بن سعيد بن جبير (خ م ت س) ، وعبد الله بن عبد الله الرازي (د) [ ص: 360 ] وعبد الله بن عبيد الأنصاري (س) ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم (خت 4) ، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (م س) ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي (4) ، وعبد الكريم بن مالك الجزري (د س ق) ، وعبد الكريم أبو أمية البصري (ل) ، وابنه عبد الملك بن سعيد بن جبير (خ د ت) ، وعبد الملك بن أبي سليمان (ي م ت س) ، وعبد الملك بن ميسرة (س) ، وعثمان بن حكيم (م د) ، وعثمان بن أبي سليمان (خت) ، وعثمان بن قيس (قد) ، وعدي بن ثابت (ع) ، وعزرة بن عبد الرحمن (م د ق) ، وعطاء بن دينار ، وعطاء بن السائب (خ 4) ، وعكرمة بن خالد المخزومي (د س) ، وعلي بن بذيمة (س) ، وعمار الدهني (ق) ، وعمرو بن دينار (ع) ، وعمرو بن سعيد البصري (م س ق) ، وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب (خ) ، وعمرو بن مرة (خ م ت س) ، وعمرو بن هرم (م س) ، وفرقد السبخي (ت ق) ، وفضيل بن عمرو الفقيمي (ق) ، والقاسم بن أبي أيوب (س فق) ، والقاسم بن أبي بزة (خ م س) ، وكثير بن كثير بن المطلب (خ س) ، وكلثوم بن جبر (قد س) ، ومالك بن دينار ، ومجاهد بن جبر المكي (د) ، ومحمد بن سوقة (خ) ، ومحمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت (د) ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، ومحمد بن واسع ، ومخول بن راشد ، ومولاه مسعود بن مالك الأسدي (م س) ، ومسلم البطين (ع) ، والمغيرة بن النعمان (خ م د ت س) ، ومنصور بن حيان (م د س) ، ومنصور بن المعتمر (خ م د س) ، والمنهال بن عمرو (خ 4) ، وموسى بن أبي عائشة (خ م ت س) ، وأبو شهاب موسى بن نافع الحناط الأكبر (س) ، وميمون بن مهران (د س ق) ، وهشام بن حسان ، وهلال بن خباب (س) ، وهلال بن [ ص: 361 ] يساف ، وواقد أبو عبد الله (س) ، ووبرة بن عبد الرحمن (خ س) ، ووقاء بن إياس ، ووهب بن مأنوس (د س) ويقال : ابن ميناس ، وأبو هبيرة يحيى بن عباد الأنصاري (بخ د س ق) ، ويحيى بن عباد (ت) ، ويقال : يحيى بن عمارة (ت س) ، وأبو المعلى يحيى بن ميمون العطار الكوفي (خت س) ، ويعلى بن حكيم (خ م د س ق) ، ويعلى بن مسلم (خ م د ت س) ، وأبو إسحاق السبيعي (ع) ، وأبو حصين الأسدي (خ س) ، وأبو الزبير المكي (م 4) ، وأبو الصهباء الكوفي (ت فق) ، وأبو عون الثقفي (س) ، وأبو هاشم الرماني (س) .

قال ضمرة بن ربيعة ، عن أصبغ بن زيد الواسطي : كان لسعيد بن جبير ديك ، كان يقوم من الليل بصياحه ، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح ، فلم يصل سعيد تلك الليلة ، فشق عليه ، فقال : ما له ؟ قطع الله صوته . قال : فما سمع له صوت بعد ، فقالت له أمه : يا بني ، لا تدع على شيء بعدها .

وقال خلف بن خليفة : حدثنا بواب الحجاج ، قال : رأيت رأس سعيد بن جبير بعدما سقط إلى الأرض يقول : لا إله إلا الله .

وقال خلف بن خليفة أيضا عن رجل : إن سعيد بن جبير لما ندر رأسه ، هلل ثلاث مرات يفصح بها .

وقال أبو الشيخ الأصبهاني : قدم سعيد بن جبير أصبهان أيام الحجاج ، وروى عنه من أهلها جماعة منهم : جعفر بن أبي المغيرة ، [ ص: 362 ] وحجر الأصبهاني ، ويزيد بن هزاري ، والقاسم بن أيوب . مات سنة خمس وتسعين ، قتله الحجاج صبرا ، وله ثلاثة بنين : عبد الله ، ومحمد ، وعبد الملك . قال : وكان فيما ذكر نازلا بسنبلان .

وقال عمرو بن حمران ، عن عمر بن حبيب : كان سعيد بن جبير بأصبهان لا يحدث ثم رجع إلى الكوفة ، فجعل يحدث ، فقلنا له : كنت بأصبهان لا تحدث وتحدث بالكوفة ؟ فقال : انشر بزك حيث تعرف .

وقال سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب : كان سعيد بن جبير بفارس ، وكان يتحزن يقول : ليس أحد يسألني عن شيء .

وقال جرير بن عبد الحميد ، عن عطاء بن السائب : كان سعيد بن جبير يبكينا ، ثم عسى أن لا يقوم حتى نضحك .

وقال شعبة ، عن القاسم الأعرج - وهو ابن أبي أيوب - : كان سعيد بن جبير بأصبهان ، وكان غلام مجوسي يخدمه ، وكان يأتيه بالمصحف في غلافه .

وقال أصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب : سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية .

[ ص: 363 ] وقال الحافظ أبو نعيم ، فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير ، عن القاضي أبي المكارم اللبان ، إذنا عن أبي علي الحداد عنه ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني سعيد ابن أبي الربيع أبو بكر السمان ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر ، عن هلال بن يساف ، قال : دخل سعيد بن جبير الكعبة ، فقرأ القرآن في ركعة .

وبه قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب ، قال : حدثنا أبو العباس السراج ، قال : حدثنا حاتم بن الليث الجوهري ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا الحسن بن صالح ، عن وقاء ، قال : كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان .

زاد غيره : وكانوا يؤخرون العشاء .

وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين .

وبه قال : حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا يعقوب - وهو القمي - عن جعفر - يعني ابن [ ص: 364 ] أبي المغيرة - قال : كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول : أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني : سعيد بن جبير .

وبه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا طاهر بن أبي أحمد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال : لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه .

وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا صالح بن عمر ، عن داود بن أبي هند ، قال : لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال : ما أراني إلا مقتولا وسأخبركم أني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ، ثم سألنا الله الشهادة ، فكلا صاحبي رزقها ، وأنا أنتظرها . قال : فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء .

وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، قال : حدثنا ضرار بن مرة الشيباني ، عن سعيد بن جبير ، قال : التوكل على الله جماع الإيمان .

[ ص: 365 ] وبه قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن شبل ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، قال : سمعت أبا سنان يحدث ، عن سعيد بن جبير : أنه كان يدعو : اللهم ، إني أسألك صدق التوكل عليك ، وحسن الظن بك .

وبه قال : حدثنا أحمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : قال : حدثني أبو كامل الفضيل بن الحسين ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، قال : خرجت مع سعيد بن جبير في أيام مضين من رجب ، فأحرم من الكوفة بعمرة ، ثم رجع من عمرته ، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة ، وكان يحرم في كل سنة مرتين : مرة للحج ، ومرة للعمرة .

وبه قال : حدثنا أبو بكر بن السندي ، قال : حدثنا جعفر الفريابي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن البلخي ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك ، فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ، ومن لم يطعه فليس بذاكر ، وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن .

وبه قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن موسى ، قال : حدثنا إسماعيل بن سعيد ، قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، قال : قلت لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا ذهب أو هلك علماؤهم .

[ ص: 366 ] وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني الوليد بن شجاع ، قال : حدثنا مخلد بن حسين ، عن هشام بن حسان ، قال : قال سعيد بن جبير : إني لأزيد في صلاتي من أجل ابني هذا . قال مخلد : قال هشام : رجاء أن يحفظ فيه .

وبه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا بشر بن موسى ، قال : حدثنا خلاد بن يحيى ، عن عمر بن ذر ، قال : كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه فيه بتقوى الله ، وقال : يا أبا عمر ، إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة . وذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره .

وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، قال : قرأت على الفضيل بن ميسرة ، عن أبي حريز : أن سعيد بن جبير ، قال : لا تطفئوا أسرجكم ليالي العشر - تعجبه العبادة - ويقول : أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة .

وبه قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن شبل ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن بكير بن عتيق ، قال : سقيت سعيد بن جبير شربة من عسل في قدح ، فشربها ثم قال : والله لأسئلن عن هذا . قال : فقلت له : لمه ؟ فقال : شربته وأنا أستلذه .

وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا زياد بن أيوب ، قال : حدثنا عباد بن العوام أبو سهل ، قال : أخبرني هلال بن خباب ، قال : خرجنا مع سعيد بن جبير [ ص: 367 ] في جنازة قال : فكان يحدثنا في الطريق ، ويذكرنا حتى بلغ ، فلما بلغ جلس ، فلم يزل يحدثنا حتى قمنا فرجعنا ، وكان كثير الذكر لله عز وجل .

وبه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، قال : وددت أن الناس أخذوا ما عندي فإنه مما يهمني .

وبه قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : أتيت سعيد بن جبير بمكة ، فقلت : إن هذا الرجل قادم ، يعني : خالد بن عبد الله ، ولا آمنه عليك ، فأطعني واخرج ، فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله ، قلت : والله إني لأراك كما سمتك أمك سعيدا ، قال : فقدم مكة فأرسل إليه فأخذه .

وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن خالد ، قال : حدثنا أمية بن شبل ، عن عثمان بن بوذويه ، قال : كنت مع وهب بن منبه ، وسعيد بن جبير يوم عرفة بنخيل ابن عامر ، فقال وهب لسعيد : أبا عبد الله ، كم لك منذ خفت من الحجاج ، قال : خرجت عن امرأتي وهي حامل فجاءني الذي في بطنها ، وقد خرج وجهه ، فقال له وهب : [ ص: 368 ] إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء ، وإذا أصابه رخاء عده بلاء .

وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم بن أبي حفصة ، قال : لما أتى سعيد بن جبير الحجاج ، قال : أنت شقي بن كسير ! قال : أنا سعيد بن جبير . قال : لأقتلنك . قال : أنا إذا كما سمتني أمي . قال : دعوني أصلي ركعتين . قال : وجهوه إلى قبلة النصارى . قال : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : إني أستعيذ منك بما عاذت به مريم . قال : وما عاذت به مريم ؟ قال : قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا

قال سفيان : لم يقتل بعد سعيد بن جبير إلا رجلا واحدا .

وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا حاتم بن الليث ، قال : حدثنا سعيد بن هشيم ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عقبة مولى الحجاج ، قال : حضرت سعيد بن جبير حين أتي به الحجاج بواسط ، فجعل الحجاج يقول له : ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل بك ؟ فيقول : بلى . قال : فما حملك على ما صنعت من خروجك علينا ؟ قال : بيعة كانت علي . قال : فغضب الحجاج وصفق بيديه ، قال : فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق وأولى . وأمر به ، فضربت عنقه .

[ ص: 369 ] وبه قال : حدثنا أبو حامد ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، قال : حدثنا سنيد ، عن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : شهدت مقتل سعيد بن جبير ، فلما بان رأسه قال : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، ثم قالها الثالثة فلم يتمها .

وبه قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف ، قال : أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم في كتابه إلي ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي ، قال : حدثنا عون بن أبي شداد العبدي ، قال : بلغني أن الحجاج بن يوسف لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا من أهل الشام من خاصة أصحابه ، يسمى المتلمس بن الأحوص ، ومعه عشرون رجلا من أهل الشام من خاصة أصحابه ، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعة له ، فسألوه عنه ، فقال الراهب : صفوه لي . فوصفوه له ، فدلهم عليه ، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته ، فدنوا منه فسلموا عليه ، فرفع رأسه فأتم بقية صلاته ، ثم رد عليهم السلام ، فقالوا : إنا رسل الحجاج إليك فأجبه . قال : ولا بد من الإجابة ؟ قالوا : لا بد . فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ، ثم قام فمشى معهم حتى انتهى إلى دير الراهب ، فقال الراهب : يا معشر الفرسان ، أصبتم صاحبكم ؟ قالوا : نعم . فقال لهم : اصعدوا الدير فإن اللبوة ، والأسد يأويان حول الدير ، فعجلوا الدخول قبل المساء . ففعلوا ذلك وأبى سعيد أن يدخل الدير ، فقالوا : ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا . قال : لا ، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا . قالوا : فإنا لا ندعك ، فإن السباع تقتلك . قال سعيد : لا ضير إن معي [ ص: 370 ] ربي فيصرفها عني ويجعلها حرسا حولي تحرسني من كل سوء إن شاء الله . قالوا : فأنت من الأنبياء ؟ قال : ما أنا من الأنبياء ، ولكن عبد من عبيد الله ، خاطئ مذنب . قال الراهب : فليعطني ما أثق به على طمأنينة . فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد ، قال سعيد : إني أعطي العظيم الذي لا شريك له ، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله . فرضي الراهب بذلك ، فقال لهم : اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ، فإنه كره الدخول علي في الصومعة لمكانكم . فلما صعدوا وأوتروا القسي إذا هم بلبوة قد أقبلت ، فلما دنت من سعيد تحككت به وتمسحت به ، ثم ربضت قريبا منه ، وأقبل الأسد فصنع مثل ذلك ، فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا ، نزل إليه فسأله عن شرائع دينه وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ففسر له سعيد ذلك كله ، فأسلم الراهب وحسن إسلامه .

وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه ، ويأخذون التراب الذي وطئه بالليل فصلوا عليه ، فيقولون : يا سعيد ، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه ، فمرنا بما شئت . قال : امضوا لأمركم ، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه ، فساروا حتى بلغوا واسطا ، فلما انتهوا إليها قال لهم سعيد : يا معشر القوم ، قد تحرمت بكم وصحبتكم ولست أشك أن أجلي قد حضر ، وأن المدة قد انقضت ، فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت ، وأستعد لمنكر ونكير ، وأذكر عذاب القبر ، وما يحثى علي من التراب ، فإذا أصبحتم فالميعاد بيني وبينكم المكان الذي تريدون . وقال بعضهم : لا نريد أثرا بعد عين . وقال بعضهم : قد بلغتم أمنكم ، [ ص: 371 ] واستوجبتم جوائزكم من الأمير ، فلا تعجزوا عنه .

فقال بعضهم : يعطيكم ما أعطى الراهب ، ويلكم ، أما لكم عبرة بالأسد كيف تحككت به ، وتمسحت وحرسته إلى الصباح ؟ وقال بعضهم : هو علي أدفعه إليكم إن شاء الله . فنظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه وشعث رأسه واغبر لونه ، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه ، فقالوا بجماعتهم : يا خير أهل الأرض ، ليتنا لم نعرفك ، ولم نسرح إليك ، الويل لنا ويلا طويلا ، كيف ابتلينا بك ؟ اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر ، فإنه القاضي الأكبر والعدل الذي لا يجور . فقال سعيد : ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في . فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة والكلام فيما بينهم قال كفيله : أسألك بالله يا سعيد ، لما زودتنا من دعائك وكلامك ، فإنا لن نلقى مثلك أبدا ، ولا نرى أنا نلتقي إلى يوم القيامة .

قال : ففعل ذلك سعيد ، فخلوا سبيله ، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله ينادون بالويل واللهف ، فلما انشق عمود الصبح جاءهم سعيد بن جبير فقرع الباب ، فقالوا : صاحبكم ورب الكعبة ، فنزلوا إليه وبكوا معه طويلا ، ثم ذهبوا به إلى الحجاج وآخر معه ، فدخلا على الحجاج ، فقال الحجاج : أتيتموني بسعيد بن جبير ؟ قالوا : نعم ، وعاينا منه العجب . فضرب بوجهه عنهم ، فقال : أدخلوه علي ، فخرج المتلمس فقال : أستودعك الله وأقرأ عليك السلام . قال : فأدخل عليه فقال له : ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير . قال : أنت شقي بن كسير . قال : بل أمي كانت أعلم باسمي منك . قال : شقيت أنت وشقيت أمك . قال : الغيب يعلمه غيرك . قال : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى . قال : [ ص: 372 ] لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها . قال : فما قولك في محمد ؟ قال : نبي الرحمة إمام الهدى . قال : فما قولك في علي ، في الجنة هو أم في النار ؟ قال : لو دخلتها فرأيت أهلها عرفت من فيها . قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل . قال : فأيهم أعجب إليك ؟ قال : أرضاهم لخالقي . قال : فأيهم أرضى للخالق . قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم . قال : أبيت أن تصدقني . قال : إني لم أحب أن أكذبك . قال : فما بالك لم تضحك ؟ قال : وكيف يضحك مخلوق خلق من الطين ، والطين تأكله النار . قال : فما بالنا نضحك ؟ قال : لم تستو القلوب .

قال : ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، فجمعه بين يدي سعيد بن جبير ، فقال له سعيد : إن كنت جمعت هذا لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا .

ثم دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد بن جبير ، فقال له : ما يبكيك هو اللهو ؟ قال سعيد : بل هو الحزن ، أما النفخ فذكرني يوما عظيما ، يوم ينفخ في الصور ، وأما العود فشجرة قطعت في غير حق ، وأما الأوتار فإنها أمعاء الشاء يبعث بها معك يوم القيامة . فقال الحجاج : ويلك يا سعيد . فقال سعيد : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار .

قال الحجاج : اختر يا سعيد ، أي قتلة تريد أن أقتلك ؟ قال : اختر لنفسك يا حجاج ، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها في الآخرة . قال : فتريد أن أعفو عنك ؟ قال : إن كان العفو فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر . قال : اذهبوا به فاقتلوه . فلما خرج من [ ص: 373 ] الباب ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك ، فأمر برده فقال : ما أضحكك ؟ قال عجبت من جرأتك على الله ، وحلم الله عنك . فأمر بالنطع فبسط فقال : اقتلوه . فقال سعيد : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين " قال : شدوا به لغير القبلة . قال سعيد : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : كبوه لوجهه . قال سعيد : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى قال الحجاج : اذبحوه . قال سعيد : أما إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة .

ثم دعا سعيد الله وقال : اللهم ، لا تسلطه على أحد يقتله بعدي . فذبح على النطع - رحمة الله عليه - قال : وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة ، ووقعت الأكلة في بطنه ، فدعا بالطبيب لينظر إليه ، فنظر إليه ، ثم دعا بلحم منتن ، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم ، فعلم أنه ليس بناج . وبلغنا أنه كان ينادي بقية حياته : ما لي ولسعيد بن جبير ، كلما أردت النوم أخذ برجلي ؟

وبه قال : حدثنا أبو حامد ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا هارون بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن مسلمة بن هشام بن إسماعيل أبو هشام المخزومي ، قال : حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن كاتب الحجاج - يقال له : يعلى ، قال مالك : هو أخ لأبي سلمة . [ ص: 374 ] الذي كان على بيت المال - قال : كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام ، حديث السن ، يستخفني ويستحسن كتابتي ، وأدخل عليه بغير إذن ، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد بن جبير ، وهو في قبة لها أربعة أبواب ، فدخلت عليه مما يلي ظهره ، فسمعته يقول : ما لي ولسعيد بن جبير ؟ فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني ، فلم ينشب الحجاج بعد ذلك إلا يسيرا ، يعني : حتى مات .

وبه قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، وأحمد بن محمد بن موسى ، قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن رستة ، قال : حدثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ، قال : حدثنا إبراهيم بن يزيد الصفار ، قال : حدثنا حوشب عن الحسن ، قال : لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال : أنت الشقي بن كسير . قال : أنا سعيد بن جبير . قال : بل أنت الشقي بن كسير . قال : كانت أمي أعرف باسمي منك ، قال : وما تقول في محمد ؟ قال : تعني النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : سيد ولد آدم ، النبي المصطفى ، خير من بقي ، وخير من مضى . قال : فما تقول في أبي بكر ؟ قال : الصديق خليفة رسول الله ، مضى حميدا ، وعاش سعيدا ، مضى على منهاج نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم يغير ولم يبدل . قال : فما تقول في عمر ؟ قال : عمر الفاروق خيرة الله وخيرة رسوله ، مضى حميدا على منهاج صاحبه ، لم يغير ولم يبدل . قال : فما تقول في عثمان ؟ قال : المقتول ظلما ، المجهز جيش العسرة ، الحافر بئر رومة ، المشتري بيته في الجنة ، صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنتيه ، زوجه النبي - صلى الله عليه [ ص: 375 ] وسلم - بوحي من السماء . قال : فما تقول في علي ؟ قال : ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول من أسلم ، وزوج فاطمة ، وأبو الحسن والحسين . قال : فما تقول في معاوية ؟ قال : شغلتني نفسي عن تصريف هذه الأمة ، وتمييز أعمالها . قال : فما تقول في ؟ قال : أنت أعلم ونفسك . قال : بث بعلمك . قال : إذا يسؤك ولا يسرك . قال : بث بعلمك . قال : اعفني . قال : لا عفا الله عني إن أعفيك . قال : إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله ، ترى من نفسك أمورا تريد بها الهيبة وهي تقحمك الهلك ، وسترد غدا فتعلم . قال : أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحدا قبلك ، ولا أقتلها أحدا بعدك . قال : إذا تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك . قال : يا غلام ، السيف والنطع . فلما ولى ضحك ، قال : أليس قد بلغني أنك لم تضحك ؟ قال : قد كان ذلك . قال : فما أضحكك عند القتل ؟ قال : من جرأتك على الله ، ومن حلم الله عنك . قال : يا غلام ، اقتله .

فاستقبل القبلة فقال : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين " .

فصرف وجهه عن القبلة فقال : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : اضرب به الأرض . قال : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى قال : اذبح عدو الله فما أنزعه لآيات القرآن منذ اليوم .

وبه قال : حدثنا عبد الرحمن بن العباس ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، قال : حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمر بن سعيد - وهو ابن أبي حسين - قال : دعا سعيد بن جبير ابنه حين دعي ليقتل ، فجعل ابنه يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة ؟

إلى هنا عن أبي نعيم ، عن شيوخه .

[ ص: 376 ] وقد روي أن الحجاج مات بعده بستة أشهر .

وقال أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري : هو ثقة إمام حجة على المسلمين ، قتل في شعبان سنة خمس وتسعين ، وهو ابن تسع وأربعين سنة .

روى له الجماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية