تهذيب الكمال في أسماء الرجال

المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

صفحة جزء
2299 - (بخ م مد س فق) : سعيد بن العاص بن أبي أحيحة ; سعيد بن العاص بن أمية القرشي ، الأموي ، أبو عثمان ، ويقال : [ ص: 502 ] أبو عبد الرحمن ، المدني ، والد عمرو بن سعيد بن العاص ، ويحيى بن سعيد بن العاص ، هو سعيد بن العاص الأصغر ، وأمه أم كلثوم بنت عمرو بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وأمها أم حبيب بنت العاص بن أمية ، قتل أبوه يوم بدر مشركا ، ومات جده أبو أحيحة سعيد بن العاص الأكبر قبل بدر مشركا ، ولجده أبي أحيحة ذكر في فتح خيبر .

قال محمد بن سعد : قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن تسع سنين .

[ ص: 503 ] وقال سعيد بن عبد العزيز : إن عربية القرآن أقيمت على لسانه ; لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقال أبو عمر بن عبد البر : كان من أشراف قريش ، جمع السخاء والفصاحة ، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان ، استعمله عثمان على الكوفة ، وغزا طبرستان فافتتحها . ويقال : إنه افتتح جرجان أيضا في خلافة عثمان ، وكان أيدا ، يقال : إنه ضرب رجلا بجرجان على حبل العاتق ، فأخرج السيف من مرفقه .

وكان يقال له : عكة العسل .

روى عن : النبي - صلى الله عليه وسلم - (مد) مرسلا ، وعن عثمان بن عفان (بخ م فق) ، وعمر بن الخطاب (س) ، وعائشة أم المؤمنين (بخ م) .

روى عنه : ابن حفيده أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص (مد) ولم يدركه ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وابنه عمرو بن سعيد بن العاص (س) ، وكثير بن الصلت ، ومولاه كعب (فق) ، وابنه يحيى بن سعيد بن العاص (بخ م) .

وكانت له بدمشق دار تعرف بعده بدار نعيم ، وحمام نعيم بنواحي الديماس ، ثم رجع إلى المدينة ومات بها .

وقال الزبير بن بكار : استعمله عثمان بن عفان على الكوفة ، وغزا [ ص: 504 ] بالناس طبرستان ، واستعمله معاوية على المدينة ، وكان يعقب بينه وبين مروان بن الحكم في عمل المدينة ، وله يقول الفرزدق :


ترى الغر الجحاجح من قريش إذا ما الأمر في الحدثان عالا     قياما ينظرون إلى سعيد
كأنهم يرون به هلالا

قال : وحدثني رجل عن عبد العزيز بن أبان ، قال : حدثني خالد بن سعيد ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببرد ، فقالت : إني نويت أن أعطي هذا البرد أكرم العرب . فقال : " أعطيه هذا الغلام " ، يعني سعيد بن العاص ، وهو واقف ، فبذلك سميت الثياب السعيدية .

أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون ، قال : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي ، قال : حدثنا الزبير بن بكار ، فذكره .

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن سليمان بن أبي شيخ ، عن يحيى بن سعيد الأموي : قدم محمد بن عقيل بن أبي طالب على أبيه وهو بمكة ، فقال : ما أقدمك يا بني ؟ قال : قدمت لأن قريشا تفاخرني ، فأردت أن أعلم أشرف الناس ، قال : أنا وابن أمي ، ثم حسبك بسعيد بن العاص .

[ ص: 505 ] وقال أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، قال معاوية : لكل قوم كريم ، وكريمنا سعيد بن العاص .

وقال عبد الله بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر ، عن معاوية ، لما سأله : من ترى لهذا الأمر بعدك ، يعني : الخلافة ؟ قال : أما كريمة قريش فسعيد بن العاص .

وقال محمد بن الحسن الأسدي ، عن جرير بن حازم ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر : بعثني زياد إلى معاوية في حوائج ، فلما فرغت منها قلت له : يا أمير المؤمنين ، كل ما جئت له فقد فرغت منه ، وبقيت لي حاجة أصدرها في مصادرها . قال : وما هي ؟ قلت : من لهذه الأمة بعدك ؟ فقال : وما أنت من ذاك ؟ فقلت : ولم يا أمير المؤمنين ؟ فوالله ، إني لقريب القرابة ، عظيم الشرف ، ناصح الجيب ، واد الصدر . فسكت ساعة ثم قال : بين أربعة من بني عبد مناف : كريمة قريش سعيد بن العاص ، وفتى قريش حياء ودهاء وسخاء عبد الله بن عامر ، وأما الحسن بن علي فرجل سيد كريم ، وأما القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله ، الشديد في حدود الله فمروان بن الحكم ، وأما رجل نفسه فعبد الله بن عمر ، وأما رجل يرد الشريعة مع دواهي السباع ، ويروغ روغان الثعلب ، فعبد الله بن الزبير .

وقال عباس بن محمد الدوري ، عن يحيى بن معين : سأل أعرابي سعيد بن العاص فقال : يا غلام ، أعطه خمس مائة .

فقال الأعرابي : خمس مائة ماذا ؟ قال : خمس مائة دينار . قال : فأعطاه ، فجعل [ ص: 506 ] الأعرابي يقلب الدنانير بيده ويبكي ، فقال سعيد : ما يبكيك يا أعرابي ؟ قال : أبكي والله أن تكون الأرض تبلي مثلك .

وقال سليمان بن أبي شيخ ، عن أبي سفيان الحميري ، عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري : قدم أعرابي المدينة ، يطلب في أربع ديات حملها ، فقيل له : عليك بحسن بن علي ، عليك بعبد الله بن جعفر ، عليك بسعيد بن العاص ، عليك بعبيد الله بن العباس . فدخل المسجد فرأى رجلا يخرج ومعه جماعة ، فقال : من هذا ؟ فقيل : سعيد بن العاص . قال : هذا أحد أصحابي الذين ذكروا لي . فمشى معه ، فأخبره بالذي قدم له ، ومن ذكر له ، وأنه أحدهم ، وهو ساكت لا يجيبه ، فلما بلغ منزله قال لخازنه : قل لهذا الأعرابي فليأت بمن يحمل له . فقيل له : ائت بمن يحمل لك . قال : عافى الله سعيدا ، إنما سألناه ورقا لم نسأله تمرا . قال : ويحك ، ائت بمن يحمل لك . فأخرج إليه أربعين ألفا ، فاحتملها الأعرابي ، فمضى إلى البادية ولم يلق غيره .

وقال حفص بن عمر السياري ، عن الأصمعي ، عن أبيه : كان سعيد بن العاص يدعو إخوانه وجيرانه في كل جمعة ، فيصنع لهم الطعام ويخلع عليهم الثياب الفاخرة ، ويأمر لهم بالجوائز الواسعة ، ويبعث إلى عيالاتهم بالبر الكثير ، وكان يوجه مولى له في كل ليلة جمعة ، فيدخل المسجد ومعه صرر فيها دنانير ، فيضعها بين يدي المصلين ، وكان قد كثر المصلون في كل ليلة جمعة في مسجد الكوفة .

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عيينة : كان [ ص: 507 ] سعيد بن العاص إذا سأله سائل فلم يكن عنده شيء قال : اكتب علي بمسألتك سجلا إلى يوم ميسرتي .

وقال الكديمي ، عن الأصمعي ، عن شبيب بن شيبة : لما حضرت سعيد بن العاص الوفاة قال لبنيه : أيكم يقبل وصيتي ؟ قال ابنه الأكبر : أنا يا أبة . قال : فإن فيها قضاء ديني . قال : وما دينك يا أبة ؟ قال : ثمانون ألف دينار . قال : وفيم أخذتها يا أبة ؟ قال : يا بني في كريم سددت منه خلة ، وفي رجل أتاني في حاجة ودمه ينزو في وجهه من الحياء ، فبدأته بها قبل أن يسألني .

وقال شعيب بن صفوان ، عن عبد الملك بن عمير : قال سعيد بن العاص لابنه : يا بني ، أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة ، فأما إذا أتاك تكاد ترى دمه في وجهه ، ومخاطرا لا يدري أتعطيه أم تمنعه ، فوالله ، لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته .

وقال العباس بن هشام ابن الكلبي عن أبيه : قال سعيد بن العاص : ما شاتمت رجلا منذ كنت رجلا ولا زاحمت ركبتي ركبته ، وإذا أنا لم أصل زائري حتى يرشح جبينه كما يرشح السقاء ، فوالله ما وصلته .

وقال مبارك بن سعيد الثوري ، عن عبد الملك بن عمير : قال سعيد بن العاص : إن الكريم ليرعى من المعرفة ما يرعى الواصل من القرابة .

وقال مبارك أيضا عن عبد الملك : قال سعيد بن العاص : لجليسي علي ثلاث خصال : إذا دنا رحبت به ، وإذا جلس أوسعت له ، وإذا حدث أقبلت عليه .

[ ص: 508 ] وقال عبد العزيز بن أبي رزمة ، عن عبد الله بن المبارك ، قال سعيد بن العاص لابنه : يا بني ، لا تمازح الشريف فيحقد عليك ، ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك .

وقال أبو بكر بن دريد ، عن أبي حاتم ، عن العتبي : قال معاوية لسعيد بن العاص : كم ولدك ؟ قال : عشرة ، والذكران فيهم أكثر ، فقال معاوية : ويهب لمن يشاء الذكور فقال سعيد : تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء .

وقال أحمد بن علي المقرئ ، عن الأصمعي : خطب سعيد بن العاص فقال في خطبته : من رزقه الله رزقا حسنا فليكن أسعد الناس به ، إنما يتركه لأحد رجلين : إما مصلح فلا يقل عليه شيء ، وإما مفسد فلا يبقى له شيء . فقال معاوية : جمع أبو عثمان طرف الكلام ،

وقال محمد بن عبد العزيز الدينوري ، عن محمد بن سلام الجمحي قال سعيد بن العاص : لا أعتذر من العي في حالين : إذا خاطبت سفيها ، أو طلبت حاجة لنفسي .

وقال الزبير بن بكار ، عن محمد بن سلام ، عن عبد الله بن مصعب ، عن عمر بن مصعب بن الزبير : كان يقال لسعيد بن العاص : عكة العسل ، وكان غير طويل . قال الزبير : وأنشدني محمد بن سلام للحطيئة في سعيد بن العاص :


سعيد فلا يغررك خفة لحمه     تخدد عنه اللحم وهو صنيع

[ ص: 509 ] قال الزبير : فولد سعيد بن العاص محمدا وعثمان الأكبر ، وعمرا يقال له الأشدق ، ورجالا درجوا ، وأمهم أم البنين بنت الحكم ، أخت مروان بن الحكم لأبيه وأمه ، ومات سعيد بن العاص في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة ودفن بالبقيع ، وأوصى إلى ابنه عمرو ، وأمره أن يدفنه بالبقيع .

وقال سليمان بن أبي شيخ ، عن محمد بن الحكم ، عن عوانة : لما توفي سعيد بن العاص قيل لمعاوية : توفي سعيد بن العاص . فقال معاوية : ما مات رجل ترك عمرا . وقيل له : توفي ابن عامر فقال : لم يدع خلفا ابن عامر . وكان سعيد وابن عامر ماتا في عام واحد في سنة ثمان وخمسين ، كانت بينهما جمعة ، ومات سعيد قبل ابن عامر .

وقال البخاري : قال مسدد : مات سعيد بن العاص ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وعبد الله بن عامر سنة سبع أو ثمان وخمسين .

قال : وقال غيره : مات سعيد سنة تسع وخمسين .

وقال الهيثم بن عدي : مات سعيد سنة سبع وخمسين .

وقال أبو معشر المدني : مات سنة ثمان وخمسين .

وقال خليفة بن خياط : مات سنة تسع وخمسين .

روى له البخاري في " الأدب " ومسلم ، وأبو داود في " المراسيل " ، والنسائي وابن ماجه في " التفسير " .

[ ص: 510 ] وروى الترمذي عن نصر بن علي ، عن عامر بن أبي عامر الخزاز ، عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث عامر ، وهذا عندي مرسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية